الفن الحقيقي أزمة روحيّة

 











"الفن الحقيقي أزمة روحيّة. والفنان الصادق كائنٌ مأزوم، يبحث عن إجابات، فإذا استراحت نفسه لبعضها، ذبُلت القدرة الفنية في روحه التي نالت قدرًا من اليقين. وهذا الذبول في حد ذاته إدراكٌ منه -ولو بشكل غير واع- لجوهر الظاهرة الفنّيّة التي تستنطق الوجود بمادتها وفي محيطها. فهذه القدرة التي لا تذبُل إلا ليحلّ محلّها اليقين... أو الموت. فالأسئلة لم تعد مؤرقة، بل ذابت وابتلعها الفضاء كما يراه الفنان: محض عدم، أو ذروة وجود." فكرة 347 ص 122.

قرأت هذا النص لأوّل مرة في كتاب أفكار خارج القفص لمؤلفه عبد الرحمن أبو ذكري، كوني كنت أتأهّب لمناقشة هذا الكتاب في نادي قرائي. النص بديع إلا أنني حين أتممت بقيته لأبعد من هذا الاقتباس، خالفتُ الكاتب في الرأي، حيث قام الكاتب بوصف الفنان الذي زالت أزمته بأنه يرتزق بفنه. وكأن الفنان قد حُرّم عليه أن يكون فنّانًا بمجرّد أن فنّه لا ينطوي على أزمة. واليوم، تذكرت هذا النص فجأة حين شرعت في كتابة هذه التدوينة، فنسخت الاقتباس بالجزء  الذي أتفق معه فقط، أتفق نسبيًّا، فليس حصرًا أن صدق الفن يتوقف على تضمنه للأزمة، بل أن الفنّان المأزوم غالبًا ما يتصف (فنّه) بالصدق و[انه حقيقي أكثر إذا انطوى على أزمته وما يخالج صدره من جراح.

أحب الصدق الفنّي، أميل إليهِ وأعوّل عليهِ، كالأغنيات التي تُعزَف بأنين صاحبها، وتُكتَب بكلمات صاغها هو بنفسه، بهمسه، ودندنها في وحدة ألمه، أتلقّاها بنشوة وتأثير، ولا أنساها، أو بالأحرى لا أنسى الشعور الملغّم فيها، لأنها نشأت في ذروة الوجود، كما يصفها أبو ذكري!

لقد توصلت لهذا الاستنتاج عندما وجدت ذائقتي بعد إعجابها بأعمال معيّنة، تقوم بتمييز تلك الأعمال بشكل مباشر، سواء أكانت المرئية أو المسموعة أو حتى المقروءة منها، ثم تتدرّج متراجعة إلى الخلف لتتعرف على مصدرها، فإن وجدتُ أنها تنتمي لقصة حقيقيّة، أو صُنِعت بواسطة بطل الأزمة بحد ذاته، أو ما شابه من اتصال الأعمال بأكبر قدر من الواقع والحقيقة والتلبّس بالصدق، تأكّدت من سبب تأثري تجاهها، وازددت إعجابًا بها. وهذا ما حدث بالتحديد بعد أن قررت التدوين عن بعض الأعمال الصوتيّة التي نالت ذائقتي.

الأعمال الصوتية المعنيّة هي أغنيات مصنّفة من فن الراب العربي، والذي يتّسم بالخفّة والتأثير بالنسبة لي، سبق وقد كتبت عن هذا الصنف لكن دون توسّع في تدوينة بعنوان المرأة من منظور زمّليني والتي استلهمتها من أغنية زمّلوا (تجدونها هنـــا). لكنني هذه المرّة، وبشكل تلقائي، بدأت أبحث عن مفهوم فن الراب، وأصوله وتاريخ نشأته، فلم أحبذ أن تقتصر التدوينة على تلك الأعمال الفنّية التي أعجبتني دون توضيح لماهيّة هذا الفن نفسه، فقضيت مع التصفح عنه والكتابة عنه ليالي من الإلهام، ابتدأت بالتراجع إلى الخلف، والنزول عبر سلالم فضوليّة نحو محطات تاريخيّة تعيد فن الراب إلى جذوره وإلى فنون أولى نشأ وتشكّل منها، والتي تعود لمصدر لم أكن أتوقّعه، أو لم أخمّن امتداد فن الراب إلى هذا المصدر المأزوم!!


الفن الإفريقي وأزمة العبوديّة:


فن الراب هو عبارة عن أغنيات منظومة بكلام إيقاعي من اللهجة العامّة أو اللهجة اللحنيّة، حيث يحتل الراب منطقة رمادية بين الكلام العادي والنثر والشعر. يمتاز الراب بالإيقاع المتقطّع والكلام السريع لذا يوصف بكلمة (rap) والتي تترجم إلى "الضرب بخفّة" أو "القرع بدقة" والتي تشبه الطقطقة، والذي نشأ خلال أواخر القرن الماضي. 

الجدير بالذكر هو أن فن الراب يعود إلى أنماط صوتية تشكّل منها واقتبس منها هذه اللمسة الإيقاعيّة بأسلوب متجدد، وهي موسيقى البلّوز (blues)، وتسبقها موسيقى الجاز (jazz)، وغيرها كثير من أنواع الموسيقى والتي تعود في الأصل إلى الموسيقى الأدب الناشئ عن الإفريقييّن المستعبدين في أمريكا في القرون الماضية. والتي كانت حصيلة الحالة التاريخية للعبودية ومواجهة التجريد من الإنسانيّة التي طمست حياة الإفريقييّن المستعبدين قبل الحرب الأهلية الأمريكية. فأهازيج ودندنات هؤلاء العبيد المستضعفين ابتكرت بخامتها الخاصّة أنواعًا من الفنون والموسيقى والتي تعد الأكثر شيوعًا اليوم!!

فكل صنف من هذه الفنون الموسيقيّة الذي يعود إلى الأصل الإفريقي وموسيقاه التقليديّة، يحمل في طيّاته تخليدًا لبصمتهم، وجذور تجربتهم، فيتأثر بها بشكل أو بآخر. مؤخرًا، تم جمع كل تلك الأنماط الموسيقيّة تحت سقف واحد وهو متحف تم افتتاحه حديثًا في ولاية تينيسي في شهر يناير من هذا العام تحت اسم (National Museum of African American Music)، أو المتحف الوطني للموسيقى الأمريكيّة الإفريقيّة. المتحف يستعرض الموسيقى منذ بدايات نشوئها تاريخيًّا في إفريقيا وحتى العصر الراهن، ليسلط بقعة الضوء على مساهمات الأفارقة في ابتكار ألوان جديدة من الموسيقى التي أثبتت حضورها وتأثيرها على الموسيقى الأمريكيّة والموسيقى الشعبيّة في جميع أنحاء العالم.

ومن هنا ندرك بأن أمريكا شكّلت أشهر إيقاعات موسيقاها وفنونها من أفواه المستعبدين فيها، والذي كانت منفذًا لتلك الفنون نحو العالميّة. ويمكن تأمل ذلك في مراجع ومقاطع وصفحات كثيرة تغص بالموسيقى الإفريقيّة. انتقيت منها أغنية واحدة فقط بعنوان  "I'm So Glad"، والتي يعود تاريخها إلى الأهازيج الروحانيّة أو الروحانيّات (سيأتي شرح هذا المصطلح لاحقًا) التي كان يلهج بها الإفريقيون المستعبدون في أمريكا والذين كانوا يرددونها أحيانًا أثناء آدائهم للأعمال الشاقّة، فكانت ضربات المناجل وهتافات المجموعات إيقاعًا مخلّدًا، جعل من تلك الأغنية عملًا فنّيًّا حاز على الإعجاب. فقد تم تسجيله موسيقيًّا للمرة الأولى بواسطة فنّان أمريكي إفريقي يدعى Skip James ، ثم تم تطوير هذا العمل عدة مرات وبعدة إصدارات خلال فترات زمنية، سواء في صياغة الكلمات أو التسجيل الموسيقي، لكن رغم تلك التطورات، لم تزل تلك الأغنية تتشبث باللمسة الإفريقيّة الأصلية التي نشأت منها، والتي أراها صامدة رغم كل تلك المؤثرات والتحديثات.

هنا ثلاث إصدارات للأغنية، الأوّل يقدّم النسخة البدائية لهتافات المستعبدين، والثاني يقدّم النسخة الموسيقيّة الأولى للفنان Skip James ، والأخير يقدم النسخة الموسيقيّة التي استحدثتها فرقة بريطانيّة لفن البلوز والروك تدعى (Cream) والتي تشبه النسخة الثانية كثيرًا في الكلمات لكن الإيقاع يختلف:


I Be So Glad... When The Sun Goes Down


Skip James - I'm So Glad (1931)



Cream - I'm So Glad (Royal Albert Hall 2005)



روحانيّات العبوديّة كمفتاح للحُريّة:


الشخص المستعبد يعتبر إنسان تحت التهديد، مقيّد جسديًّا بل وحتى معنويًّا، فالسبل والمنافذ نحو المطالبة بالفكاك محدودة أو تكاد تكوت معدومة. كان المنفذ الأقل ضررًا لمستعبدي أمريكا الأفارقة هو الفن والأدب، فكانوا يبثون جراحهم ونضالهم ومطالبتهم بحرّيتهم من خلال تلك الأهازيج والأغنيات، ومنها الروحانيّات. الأهازيج الروحانيّة هي أبيات مكتوبة وتستخدم في الطقوس الدينيّة بالآداء اللحني. ولأن هؤلاء المستعبدون كانوا رهينة الاستعباد والاستبداد، قدمت لهم تلك الروحانيّات كتقاليد مسيحيّة من السادة لعبيدهم ، على أمل تعزيز ديناميكية القوة بين العبد والسيد.

استغلّ المستعبدون تلك الروحانيّات الإجباريّة كوسيلة للمناضلة وطلب الحريّة، فقاموا بتلحينها وغنائها بأسلوبهم الخاص أثناء عملهم وتواجدهم في المزارع، وذلك لإيصال فكرة المظاهرة ودس رسائل مشفّرة للهروب من الاستعباد ورفض العنف والقمع والمعاملة القاسية والوحشية التي كانوا يتعرضون لها. ففي القرن التاسع عشر، ظهرت أغنية روحيّة ابتكرها المستعبدون الأفارقة في أمريكا تحمل عنوان (Roll Jordon Roll)، والتي كانت في الأصل أبيات كتبها أحد الوعّاظ في القرن الثامن عشر. فغدت أغنية معروفة لدى العبيد واشتهرت شهرة كبيرة حتى ساهمت في استلهام موسيقى البلوز ، ولا تزال عنصرًا أساسيًا في موسيقى الإنجيل. هنا الكلمات الأصلية للأبيات الروحية، كما نُشرت في كتاب مختارات أغاني العبيد في الولايات المتحدة.



تم التغيير في كلمات الأغنية كثيرًا، لكن ما أثار عجَبي هو كلمة (Jordon) أو الأردن، فكما تقول كلمات إحدى نسخ الأغنية في جملة: Went down to the river Jordan، بمعنى نزلت إلى نهر الأردن. وعلمت بعدها بأن النيّة الأصليّة لذكر نهر الأردن في هذه الأبيات الروحانيّة هي الإشارة إلى السنة التي قرر فيها الإسرائيليّون عبور نهر الأردن لدخول القدس، وذلك لينتشلوا أنفسهم من عناء الشتات والاستبداد إلى الحريّة. لكن الرابط بين ذكر نهر الأردن وشفرة الهروب التي يشير إليها المستعبدين الإفريقيّين وجدته في تدوينة جميلة (تجدونها هنا). 

فقد كان المستعبدون لا يشيرون إلى نهر الأردن بعينه، بل يشيرون إلى النهر العظيم أو نهر المسيسيبي الواقع في الشمال الشرقي لأمريكا الشمالية، والذي يصب في خليج المكسيك الذي يعد بحر هامشي للمحيط الأطلسي المؤدي إلى قارة إفريقيا. فنهر الأردن إشارة لتذكّر النهر العظيم، الذي يؤدّى إلى شمال أمريكا الخالي من العبيد وبالتالي إلى الحريّة. لأنه كان على العبيد أن يخافوا ويطيعوا أسيادهم بنفس الطريقة التي كان على الإسرائيليين أن يخافوا بها تعاليمهم الدينيّة. فتحوّل بذلك المعنى وراء "Roll، Jordan، Roll" من قصة لأغنية الحزن كما هي مذكورة في كتب الأدب الإفريقي إلى نقد للعبودية. فلم يكن لدى هؤلاء المستعبدين صوت مسموع في المجتمع، لكن وبالرغم من ذلك ، كان لديهم صوت في الحقول من خلال غنائهم. لذلك ، عبّروا عن رغبتهم في التحرر ويأسهم من خلال الروحانيات. 

وجدت مشهدًا من فيلم 12 Years a Slave، يستعرض مجموعة من العبيد تردد كلمات مقتبسة من نفس الأغنية عند مقبرة تُنصب عليها الصلبان لإقامة الطقس الروحاني، وبذات اللحظة يدرك أحد هؤلاء العبيد وأظنه البطل (كوني لم أشاهد الفيلم) أنه لا يردد تلك الأغنية لأجل تنفيذ ما يمليه عليه المجتمع الأبيض من السّادة، بل لأن عبد من هؤلاء العبيد، والذين يستخدمون تلك الموسيقى لمجابهة فكرة أنهم شعب مُحتقَر، وحين فهم الرسالة، أدّاها بقوّة مهزومة تتوق للحريّة!



The things evidently borrowed from the surrounding world undergo characteristic change when they enter the mouth of the slave

هذا الاقتباس من كتاب The Souls of Black Folk ، والمعنى هنا يرمي إلى أن الأشياء المستعارة بشكل جليّ في العالم المحيط تخضع لتغير مميز عندما تلج فم العبد، مشيرًا إلى أن العبد يحيي بروحه جمود تلك الكلمات والأبيات، ويبث فيها صدق النضال ونداء الحريّة أو أنين الألم والقمع، فينتج بألحان الأشجان فنًّا إنسانيًّا قبل كل شيء. فحتى مالم يكتبوه بأنفسهم، يتلبّس بروحهم. بالمناسبة، الكتاب المذكور مثير للاطلاع والبحث في مجال الأدب والفن الإفريقي، كونه يوصل بعض صدى اللحن المؤلم من الموسيقى الأمريكية التي انبعثت من أرواح الشعوب السوداء في الماضي المظلم كما تقول المقدمة. تجدون النسحة الإلكترونية من الكتاب (هنــــا). 

الفن دائمًا ما يكون محصّلة الألم والمكابدة والبؤس، وفن الراب هو محصّلة المعاناة الآنف ذكرها. فن الراب اليوم يُثرى بالروح العربيّة والمحتوى العربي الذي يحيل كل فن في نظري إلى تحفة مزدانه وذات مستوى أكثر جمالًا وروعة، فاللغة العربية تحمل مفتاحًا مختلفًا في الأغنيات والكلمات. أنتج فن الراب العربي مختلف الأعمال التي تفاوتت من حيث الذوقيّة والرسائليّة، والذي يتأرجح بين ركل المفردات بشكل سَمِج وابتذالي ومزعج وبين ابتكار الأصالة والقيمة. أميل كثيرًا لفن الراب الشّامي، بلمسته العربيّة الطّرِبَة، وبشعوريّات من يؤدّونه. فهنا مختارات من ذائقتي الخاصّة منه، والتي صنّفتها حسب رسالة كل أغنية يحاول كتابها إيصال معاناتهم من خلالها. ما أحببته في تلك المختارات أن بعض مغنّو تلك الأغنيات قاموا بكتابة كلماتها بأنفسهم وتلحينها وتسجيلها، وكأنّها تولد من رحم معاناتهم و صدق فكرتهم ومشاعرهم الحاضرة! لذا كان أداؤها صادقًا كونه من وحي حياتهم الواقعيّة وآلامهم المنسية.

فن الهجرة والمهاجرين:


بدا فن الراب ملاذ لكثير من المهاجرين، فلا تخلوا أعمالهم من قضيّة ذكر الوطن والحنين إليه وعن أشلاء أمنياتهم المبعثرة حول أرجاء العالم الذي تاهوا فيه. وعن قسوة بعد أحبابهم وأهاليهم. فجعلوا من فكرة هذا الفن وضرباته الإيقاعيّة المتقطّعة فرصة لصف حكاياتهم المبتورة، والتي لم تكتمل، فبين كل جملة وجملة، معنى من بؤس.

أحببت أغنية (جوّانــــا) لأبو كلثوم كثيرًا، والتي تصف الإنسان كأرضٍ تكتنز بذورًا زرعها العابرون وتركوها دون سقيا، منها ما أنبت وردًا شارف على الذبول، ومنها ما أنبت شوكًا يدمي ذلك الإنسان حنينًا ووجعًا، فالشخصيّة المهاجرة ذات حساسيّة عاليّة من حيث الحنين والتعلّق بالأشخاص، خاصّة كونهم تعرّضوا لظروف صعبة من العنف والألم أو المسؤوليّة منذ الصغر، أو الضياع والفقد، أو الخوف الشديد. وأبو كلثوم أحدهم. للاستماع (هنــــــا).


لا تنسوها، بذوركن جوانا و ما تسقوها. ولا تنسونا، لا تنسوها، ورودكن جوانا و ما تسقوها..

انتوا ازرعوا و أنا بس بقبّع شوكي..فوتوا لقلبي و أنا بعيني بقبّع شوقي..مع تراما الصغر عندي رانديڤو (لديّ موعد مع صدمات الطفولة)..

من أنصاف أحلامي أنا بقبّع نومي..من تقل جفاهم بقطع توبي..بنام بس لطيفهن يقطع صوبي..مع الوحده عندهن ران دي لوپ..

و أنا مافي غيري بصفوفي..ولسّاني يا ممرجح، طفل و لسّاني بتعلم.. ولو قلبي بالشوك تفخّت.. رح ضلني بسرعه بتعلق..لا تنسوها..

يلي مبارح طمره جبيني..اليوم عرقه شرّش فيني..وين روح، وين روح ؟..و بعد جفاكم مين يرويني ؟

مقطوع من شجر داري..قلب أهله حجر قاسي..ف عالساكت بعاني، و أنا عيوني بداري فيها..

يا بايعه الورد غالي..يا زارعين ورد حالي..دموعي تجري بترابي، و أنا بسقي وردي فيها..

الأغنية الثانية هي للوسام تحمل عنوان (قالوا اللـيل)، هذا العمل يأخذك للبعيد الذي لم تتوقعه من حيث الإيقاع الضارب في العمق، والذي يشبه بالنسبة لي تلاطم موج البحر بعنف، ليصف عنف حياة المهاجر من حيث التيه وعدم الاستقرار والوجع المزمن، لدرجة أنه يسأل السلامة والنجاة مع مرور كل يوم مجهول العواقب. الكلمات مؤلمة لكن ليست بأشد إيلامًا من اللحن والآداء. لكن الغريب أن هذه الأغنية قام الوسام بإهدائها لنفسه في يوم ميلاده! للاستماع (هنــــــا).


قالوا الليل يداري همومي غير وأنا... في قلبي طير يناديني..

قلبي بيت وساكن..فيه الغيم وداكن.. لا تسألني وين أحلامي..

يمكن شوارعها تضمني..حيطان المدارس والكتب وأمي..

دروبنا الصعبة وضلاع تضمني..

يا بحر.. حضلني مكمل لو شوقي زاد .. آه يا بحر

لو فرقتنا حدود البلاد.. آه يا بحر

قلبي لو بريش كان طار.. آه يا بحر

كل ما تمرق عليا الأيام.. بقول يا رب تستر

اغمض عيوني واسرق الليل من عين الشمس

يالي حابس انت قليبي بين الشوك والورد

حضلني اقاوم حتى لو كسرتنا الأرض

قالوا الليل يداري... لا لا..انت بميل وأنا بميل لحالي


حكايا الحب المنتهية:


قد تنتهي حكايا الحب، ولا تنتهي أوجاعها، فالحكايا مغلقة في سبل القدَر، لكنها مشرّعة الأبواب في القلوب، وتجبر أصحابها على اختراع أقفال دون مفاتيح أو الهروب بعيدًا، ليصرخوها بأغنية!

(كل شيء) لبيج سام، يحكي فيها ألم علاقة منتهية باءت بالخذلان، بعد سلسلة من التضحيات والدعم الصادق في الأزمات. يأتي الرحيل مفاجئًا دائمًا، بعد أن نعطي كل شيء ونظل بدون أي شيء.. اللمسة هنا مختلفة، اللحن مبتكر، والعزف العربي حاضر ومتقن بشكل متمازج تمامًا مع فن مغاير كفن الراب.. للاستماع (هنـــــا). 


قالت لي روح حانساك ..وانا كلي جروح حزنان ..هان صار لي شهور عشمان.. اسقيني بحور عطشان..

بديش أموت غرقان ..كل شي بدور بهالبال ..بردان بنام باكفان ..كان نفسي اكون ندمان..

أسوأ شعور اني أكون بين برد ونار ضحكه ودموع.. يكون شو ما يكون المهم انت هون كانت تقول.. كلمه وتكون.. بكتر حضن الها حنون.. من كون لكون من هون لهون..وانا وين اليوم وانت وين اليوم؟

 كنتِ لي كل شي.. كنتِ لي كل شي ..اعطيتك كل شي .. كل شي

هاي هي النهايه الي.. فيها الحزن بيصلي ..لو كنتي اليوم محلي.. كنتي لعنتي ضلي..

بس انا مين ..بس انا غير.. مع كل شي لسى شايف فيكي خير ..وصلك جوابي بس قتلتي الطير.. الي كان متمسك بطرف الخيط..

هجرت الجنه لاوقف على بابك ..بعز أوجاعي حضنت اكتئابك.. بستنى بهالرحله وما بعرف اسبابك.. واسمي الي انرمى بارشيف كتاباتك..

تفاصيل الربيع بتزعحني.. بس راح اقطع أوجاع بتسممني.. ماضل ولا شي لـ يحسسني ..باني متمسك في ارض بدها تهدني..

كنتِ لي كل شي.. كنتِ لي كل شي ..اعطيتك كل شي .. كل شي


(كيف بتروح الأيّام) لهلا الرفاعي، هذا العمل استوقفني من المرّة الأولى، وبرغم جماليّته وتأثيره لم يُنشر كعمل مسجّل في منصّة صوتيّة، بل اكتفت هلا بنشره كمقطع فيديو في حسابها الشخصي للانستقرام. الكلمات والآداء تحفة فنيّة، مُزجت فيها اللغة العربية والإنجليزيّة. الرسالة توصل لنا معنى أننا من الممكن أن نظل محل للثقة وإن خُذلنا، فليس ذلك بمعيار وإن خلّف الانهيار. إنهاء العلاقات قد يكون مصدر قوة وارتياح، فيمكننا من أن نكون لأنفسنا المضمّد للنهوض مجدّدًا، وأن نكون لنا السماء والجناح!..للاستماع (هنـــــا).


كيف بتروح الأيام..وبتمر تمر تمر..ولسا الشفّة اللي بتمي..من نفس كاسة المر المر المر المر..

اه بتروح..وانت تروح..مافي دموع..تدق بقلب بيحوي قلوب..صح كسرنا بس دوينا جروح..لما تطفي فيك الدنيا..هالقلب دوماً فاتح الك النور

انا مش زيهم..عيوني تلمع على اي شي..انا من حيهم(الحي تبعهم)..بس ولا حسو عليّ مشيت..

بعرف حالي لما بحب بحب كتير..بنسى حالي وبنسى الكون وكل قريب..

أنا جناحي وظل حالي..بسمحش لحالي وقف بطريقي..كل ماترجم اللي ببالي..بحس ماعاد عندي غالي

I'm here u can lean on me..never leave.. I want u to show me..How u do this everyday..Thinking maybe we can play..

But shit..what if I dont wanna stay? U will hate me If u see me turn grey..

Breaking bad..I Can't see a way..This time don't u dare begg me to stay.


الصدق يختصر الكثير، يختصر مراحلًا من التفنّن والابتداع ومحاولة الإفتان، الصدق شيء ساحر ومبهر، يجعل من الكلمات أو الأغنيات أو الصور والمشاهد والملامح، معنى مخلّد، يصل من النفس إلى نظائرها من النفوس. وأجلّ ما يبقي الأعمال الفنيّة هو نزعتها الإنسانيّة، وإذعانها لحقيقتها المتجلّية في أدق التفاصيل، فالفن الحقيقي دائمًا ما يكشف عن معانٍ روحيّة، في البؤس أو النشوة.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

المرأة من منظور "زمّليني"

حياة الركض لا تشبهني