المشاركات

عرض المشاركات من يناير, ٢٠٢٠

في حضرة اللاشعور

صورة
إلى الصمت كم أطلتُ الإنصات، وإلى ما يُحبس في شفتيّ من كلمات، وإلى كل شعور قد توارى في حضرة اللاشعور، لكنّه لا ينفي وجوده. إلى كل التفاصيل التي لا يعيها أحد، وإلى كل الوحدة التي أخالها ضعفاً، وإلى كل العواطف الصادقة، والمعاني المخلصة، التي يُساء فهمها من حولي، إلى كل ذلك العالم الداخليّ المنطوي على صمته في زاوية العالم الأكبر، أخطّ رثائيَ المبتور. فالشوارع تضجّ بالمارّة، وليس من شأن أحدهم أن يلتقطك، أو أن يرى في عدم وجودك وجود آخر، وفي صمتك، كومة من الأحاديث البكماء، وفي توقّفك عن قطع الأرصفة تردّدًا من مصادفة ذات المنزلَق الذي تجرّعته في شتاءٍ منصرم. فأنت لا تبدو وحيدًا، ولا تبدو أكثر من كائن يجلس برفقة ذاته، تحت عمود الإنارة اليتيم، تستظل سحابة تجود بقطرات من مطر يهمي على عجَل، ليتخطّى بقعتك، إلى الضفّة الأخرى.   تتفحّص العالم الخارجيّ بأعين عالمك الداخليّ، فتبدو بلا شعور، لكنّك عاصفة المشاعر، وبركانها، وفيضانها، ومنبعها الأكثر عمقاً، الذي قد ردمه الصمت المطبق، والعزلة الطويلة. لكن الطبيعة لن تجود بمواساتك في تلك الرحلة الخاوية، ولن تشاركك الصمت الذي يقدّس لحظة غيابك

ماذا تخبئ الأيّام

صورة
في الفترة المنصرمة كثيرًا ما كنتُ أتساءل عن ماذا تخبئ الأيّام. وما عسى للسماء أن تجلب؟ أتراها ستغمرنا بالوابل الصيّب، أو أنّها تنبئ بريح عاتية، تحيل أرواحنا لأرض قاحلة. تعصف بي فكرة التساؤل عن الأقدار، عن شكلها وماهيّة أحداثها، عن الأناس الذين سنرافقهم أو سنفقدهم، عن قلوبنا المتقلّبة، وكيف ستبدو بعد فترة من الزمن. أتساءل، عن حقول الروح، وسواقي المياه العذبة حولها، أتساءل عن جوهر الحب فينا، وعن قطّاع طرقه المتربّصين بنا، أتفكّر في قوافل السنون المقبلة، وخباياها المحمّلة على ركائب القدر. وأتأمّل كيف لعقلي الصغير، أن يحاول جاهدًا أن يتنبأ بجهله المحض جلّ الحقيقة، أو أن يحدس ببضعٍ منها. لكنني وفي حضرة تلك التساؤلات، أدركت معنًا متوهّجًا، أحال تلك الحيرة المدوّية إلى صمت مطبق؛ "أنا عندَ ظنِّ عبدي بي فلْيظُنَّ بي ما شاء". هذه الكلمات النيّرات بدت تلازمني كلّما راودتني تلك التساؤلات مجدّدًا، حتى غدت منهاجًا أنتهجه في سبيلي، ومبدأً ثابتًا للعيش في مختلف مراحلي الحياتيّة، فاستقرّ القلب في معناها، وطمع في مبتغاها. فحين أتلهّف لإخماد تساؤلاتي الوجوديّة، أجد تلك الإجابات الش

استنطاق إفريز الحياة

صورة
  قبل عدة أشهر، قمت باقتناء كتيّب خاص بمعرض "مفازات الروح" خلال زيارتي لمركز إثراءبالظهران . في بداية الأمر، كان التصفّح فاتحة الإلهام، فلقد اشتمل الكتيّب على مجموعة من أعمال الفنان النرويجي إدفارد مونك ، التي أطلق عليها عنوان "إفريز الحياة"، والتي جسّد فيها التحديات الوجودية للذات في الحياة كالحب والفقد والوحدة والسقم والقلق واليأس وغيرها. وجدت في نفسي انجذاب إلى تلك الأعمال من حيث محورها الأساسي؛ الذات. وتساءلت حينها، كيف لذلك التكوين الـلا مرئي أن تتجسّد معانيه وصراعاته بتكوين آخر مرئي، وهي اللوحة الفنية. وكيف تمكّن إدفارد مونك من خلق عالم فني ذو تفاصيل معقدة لتكون ذات صلة بذواتنا وفهمنا المعقّد لها.   في حقيقة الأمر وبعد ذلك الإلهام، نويت التدوين عن أعمال إفريز الحياة من حيث شرح أسلوب الفنان فيها، وتفسير اختياره لبعض الألوان المعيّنة عن غيرها ليصف صراع ما في إحدى لوحاته. لكن ومن حسن الحظ، مررت بأعمال شغلتني عن البدء في تلك التدوينة، مما اضطرني إلى تأجيلها. فخلال هذه الفترة المطوّلة من التأجيل، تلقّيت مهارة جديدة في إحدى البرامج الخاصة بكتابة ال