مواليد التسعينات | بين القناعات والتحديات






هذه التدوينة لا تعني تسليط الضوء على مثالية هذا الجيل بل بعض من جوانبه.

مواليد التسعينات وتحديداً مَن وُلِدوا في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات أو السنوات الخمس الأولى منها هم من أعنيهم هنا خاصة أنني إحدى مواليد هذه الحقبة الحساسة الذين نشأوا  على تفاصيل حياتية متواضعة ربما لا تكون مختلفة عن الأجيال المقاربة أعني أننا قد نجد تلك التفاصيل الحياتية في الثمانينات كذلك لكن تلك التفاصيل اقترنت وانعجنت بنفوس أبناء مواليد التسعينات اعتماداً على مرحلتهم العمرية التي كانت متأهبة للتلقي، لتحيلهم إلى شباب اليوم، والذين امتدت مرحلتهم العمرية منذ تلك الحقبة بطولها وبتفاصيلها وبمنعطفاتها إلى اليوم، حيث لم يزالوا في طور الشباب والشخصية الباحثة والمستكشفة والمتحمّسة والساعية لبناء المستقبل. مواليد أوائل التسعينات هم من عاصروا أجيالاً في جيل، وهم من يمتلكون أكثر من دليل.. نحو الحياة وإيجاد النفس وموضعها الملائم في هذا العالم، لتجعل منهم أشخاصاً عالقين في الوقت الحالي بين القناعات والتحديات وبين الحذر والتردد والترقب والحماسة والانطلاق والتحليق.

إن مواليد هذه الحقبة قد نشأوا في زمن يمتاز ببطء الأيام وتركّدها كبطء مراوح الدور المعلّقة في الأسقف على الدرجة الأولى، فكان استيعابهم للأيام والأحداث متريّثاً بغض النظر عن ماهية تلك الأحداث وإيجابياتها أو سلبياتها. كما أنهم عاصروا التقارب الاجتماعي المتحفظ في ذات الوقت، بين العيش في كنف الأسرة والاهتمام بأولوياتها وتقارب الجيران وأبناء الأحياء ومن يسكنون بالجوار، مع وجود الحواجز الاجتماعية ومعايير التحفظ وعدم الانفتاح الكلي على الآخرين، والذي جعل منهم أشخاصاً يكنون الكثير من الاحترام للأسرة والمعارف بل وحتى المجهولين ويضعون تلك المعايير التحفظية في الحسبان دائماً. كما أنهم ولدوا في زمن بسيط، ومعايير حياتية شبه منضبطة، لا توفر لهم كل شيء في كل وقت، كما أنها لا تحرمهم من كل شيء. فعاشوا بين العطاء المعقول والمنع المسؤول الذي جعل منهم أشخاصاً متزنين، لا يحصلون على ما يرغبون في الوقت الذي يريدونه تحديداً، لكنهم يؤمنون باستحقاقه، فيفضلون الانتظار على الاستسلام، ويفضلون الصبر على الانهزام. كما أن تلك الممنوعات والقيود الحياتية جعلت منهم أشخاصاً يبحثون عما وراء تلك القيود، ويتطلعون للدهشة بشكل مستمر، خاصة في طفولتهم، كانتظار وقت طويل في سبيل فتح قناة مفضلة صباحاً عند شاشة التلفاز، أو ترقب صدور العدد الشهري الجديد من مجلة مفضلة، كما جعلت منهم تلك القيود أطفالاً أكثر صبراً وتقبلاً، كالصبر على اختيارات الأهل لما يرتدونه وتحديدهم لتصفيفة الشعر المناسبة! ولم تكن جرأتهم لتظهر في تلك المواقف بقدر ظهورها في سيل العواطف. فهم يمتهنون شراء الكثير من الدفاتر والأوراق لكتابة المشاعر وتبادلها فيما يسمى ب (التليجرافات) مع كل من يصادفون في مرحلة تعليمية أو مصادفة ودّية، خاصة بفضل المكتسبات والقيم الإعلامية التي وطنت في نفوسهم الوفاء والإخلاص ومعالم الشر والخير، فالكلمات تعني لهم الكثير، والذكريات بالنسبة لهم مدخر وكنز وفير.

اليوم، يعيش شباب أوائل التسعينات مرحلة مختلفة، تضعهم في مفترق طرق و وتضع في أيديهم أدلة متعددة نحو إثبات النفس والشغف واستثمار الموهبة وتشكلها في نظرهم بطريقة كانت غائبة عنهم، بل كانوا يحاولون إيجادها ورسمها ثم العيش من خلالها، ولم يتصوّروا أنها تمتلك هذه الهوية وهذا الاسم في مختلف المنصات التي يتصفحونها اليوم، فيشعرون بالكثير من التردد كونهم يقفون بين معاييرهم وقناعاتهم الخاصة التي نشأوا عليها، وبين شبابهم المنتظِر لتحقيق رغباتهم المؤجلة أو المتقدمة ببطء على جسر القيود والتحفظ والشعور بالاستحقاق أو الحذر من الفشل والانسحاق ومقارنة المتاحات  بالمبادئ الراسخات والترقب والتأكد من صحة وسلامة كل طريق ينوون سلوكه بمستوى عالٍ. إنهم لا يبحثون عن المثالية، بقدر بحثهم عن الأمان والنجاح والمكافأة نتيجة الصبر ورحلة البحث الشاقة عن النفس. كما أنهم اليوم يعاصرون الكثير من المناقضات لما نشأوا عليه، فالأيام متسارعة والأحداث متقلبة، لدرجة عدم إمهالها لهم لمراجعة المعاني التي تشربوها، ولا تلك التحديات التي عاصروها، فأقدامهم لم تزل تقف في القرن العشرين، وأرواحهم تود التحليق نحو ما هو أبعد من الوقت الراهن.

بإمكاننا أن نتفق بأن مواليد تلك الحقبة لا يلامون في حساسية شعورهم وتوقعهم الاحترام من كل أحد وحساسيتهم تجاه المشاعر والذكريات والوحدة، كما لا يلامون على تحفظهم وعدم انفتاحهم على الآخرين وعلى خوض التجارب بسهولة و عدم تقبلهم للتقليد الأعمى، كما أنهم لا يلامون على حماستهم وانخراطهم في ممارسة كل ما كانوا يودون ممارسته في رحلة التيه والتشتت والبحث والتردد، وكأنهم وجدوا أنفسهم أخيراً وتعرفوا عليها بشكل دقيق بعد أن كانت محتجبة عنهم بسبب أو بآخر.


تعليقات

  1. لابد أن اعلق على لأني ببساطه من هذا الجيل الجميل بكل احساس وصلتي مشاعرنا بكل دقه الله ما أجمل تلك المرحله اتذكر كنت اعشق مجلة ماجد وانتظروا بشوق اما عن ما يسمى التليقراف والمشاعر التي كنا ندونها كانت تعني الكثير
    فعلا نحن نتميز بالصبر لكن دائما لا نفقد الأمل

    ردحذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  3. فاطمة أحمد الشهري

    سعيدة بتواجدك فاطمة وسعيدة أكثر كون كلماتي وصفت ما قد عشتيه في تلك السنين المنصرمة، أمنياتي لك بسعادة عامرة في السنوات المقبلة =)

    ردحذف
  4. كل حرف وكلمه هنا وصفتنا بكل صدق.. وبكل شفافية
    اختصرتي كل مشاعرنا بوصفك (بين القناعات والتحديات)
    للأبد معجبة وفخورة بك .. تدوينة رائعة بحق 3>

    ردحذف
  5. نورة فهد..
    كم أسعدتني كلماتك حين وجدتي نفسك في كلماتي =)
    شكراً حبيبتي 3>

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

المرأة من منظور "زمّليني"

حياة الركض لا تشبهني