تجربة أولى واحتفاء ذاتي
ثمينة
هي اللحظة التي يلتمع فيها إلهام حدسي في ذهنك، فتنتعش الروح بحماسة لتلك الفكرة.
الفكرة التي التمعت بداخلي هي فكرة التجربة، كنت متحمّسة لتجربة أشياء جديدة في
مجالي المحبب، مجال التدوين والكتابة والأدب. وأمهلت هذه الحماسة وقتها لكي لا
تكون في صورة اندفاع أو تشتت حتى أجد لها فرصة مناسبة في أقرب وقت ممكن. وبالفعل،
كانت الفرصة محتملة من بين منصّات ثقافيّة تعرّفت عليها مؤخّرًا وأعجبت بتوجّهاتها
ومحتواها. لكنني ترددت في التواصل مع تلك المنصّات، كون المتعارف عليه هو أن المنصّات
التي تستضيف ضيوف هي المسؤولة عن دعوة الضيف لا العكس، لكنّني قارنت تردّدي
برغبتي، فطغت الرغبة، ودفعها التوكّل بخيريّة الأمر في الرفض أو القبول. لذا أقدمت
على استضافة نفسي بنفسي ^^
الجميل
أنك حين تثق برغبتك تجد الآفاق تتفتّح من أمامك، وبدل الفكرة التي نويتَ الإقدام
عليها، تجد بأنها تتسع لتتوالد منها أفكار أخرى وتأخذك المسالك إلى تجارب أجمل لم
تخطط لها! لكنّنا قد لا نتصوّر ذلك بفعل ضباب التردد أو الكثير من التوقّعات المريبة
خلف التجارب الجديدة. خاصّة أنّني كنت أشعر بشيء من الرهبة، وهي رهبة الخروج من
نطاق الاعتياد أو الراحة أو الشروع في فتح الستائر التي ستنقلني من عالمي المنطوي
على الصفحات إلى عالم أكثر انفتاحًا (ولو من خلال باب موراب) نحو تواصل مباشر مع
المتلقّي.
جمعية
قرطبة للقراءة:
جمعيةقرطبة للقراءة هي إحدى المنصّات التي تعرّفت عليها من فترة قصيرة وسعدت جدًا بمحتواها.
تقيم الجمعية برامج مختلفة تحت مظلة دار أندلسيّة كمناقشة الكتب وإقامة اللقاءات
مع القرّاء والجلسات الثقافيّة في مختلف المواضيع والتوجهات. كما تمتلك الجمعية
منصّة صوتيّة (بودكاست) على الساوندكلاود تبث من خلالها حلقات لطيفة مع مختلف
الضيوف للحديث عن شذرات الأدب والكتب و
الإنارات الإسلاميّة وغيرها. في الحقيقة، استوقفتني فكرة البودكاست كونها تسمح لك
بالإنصات للضيف فقط وهو يتحدث بكل أريحية واسترسال عن موضوع من وحي اهتمامه
وإلهامه. ومن هنا سطعت في داخلي فكرة عبور هذه البوّابة الصوتية والمشاركة. وذلك كوني
أقدّر شعور ازدواج المقدّم مع المحتوى الذي يقدّمه ونبوعه من دواخل شغفه وإلقائه
بأسلوبه وتلقائيّته.
كانت
الخطوة الأولى هي اختيار الموضوع وطرحه كفكرة للإدارة في الجمعيّة قبل الإعداد له،
وسعدت جدًّا بالإعجاب والترحيب والقبول، ثم شرعت بإعداد المحتوى. وهنا مثال على بركة
الإقدام على التجارب، فلم أكن أظن بأن المنصّات التي تستضيف الضيوف ستتيح للضيف
اختيار الموضوع بنفسه، مما ألهمني ارتياح أكبر. حينها، فضّلت كتابة المحتوى بأسلوب
تدويناتي المعتاد الممزوج بالسرد وشيء من الخواتيم المسجوعة (بالمناسبة السجع
يلتصق بي رغمًا عنّي في أحيان كثيرة). والسبب في كتابة الحلقة بأسلوب التدوين الشخصي
هو أنني كنت أنوي كتابة هذا الموضوع في مدوّنتي، لكنّه كان من نصيب هذه التجربة.
فالموضوع كان محط تفكيري واهتمامي من قبل، ووجدته مناسبًا لإشباع فضولي ودافعًا
للكتابة بتلقائيّة كما يمليه عليّ وحي الإلهام حين أهتم بموضوع معيّن بصدق.
كانت
النتيجة هي كتابة حلقة تحت عنوان "معنى الحياة"، وتسجيلها وفق شروط
الجمعيّة بهاتف محمول دون أي تعديل أو تنسيق في الإنتاج. وبرغم من توفّر أدوات التسجيل
لديّ إلا أنني فضلت تسجيلها ببساطة وفق شروطهم وذلك بعد منتصف الليل ولمدّة 17
دقيقة. وبعد إتمام التسجيل، كان الأمر أشبه بالخيبة، كون إعداد الحلقة الكتابي
استغرق الكثير من السطور وطمحت أن أصل به إلى حلقة تصل إلى 30 دقيقة على الأقل،
بينما كان الوضع مختلفًا في الإلقاء الصوتي الذي اختزل الكلمات الكثيرة في دقائق
معدودة. فالمحتوى المسموع يتطلب الكثير من الإعداد لحشو تلك الدقائق بمحتوى يستحق
الاستماع. ومن هنا أدركت الجهد الذي يقوم به كل معلّق ومعد حلقات صوتيّة تمتد لساعة
أو ساعتين! بالنسبة لتجربتي، كانت مرضية بالنسبة لي ولله الحمد كمحاولة أولى، برغم
عدم تعديل أو حذف أي لعثمة أو أخطاء، وبرغم انخفاض صوتي. لكن لا مانع من إصمات أي
مشتت خارجي ورفع صوت السمّاعات لأعلى مستوى لحل هذا القصور. أسعد باستماعكم للحلقة
( من هنــا).
مخبز
الحرف:
أما
التجربة الثانية، فقد كانت مع مخبز الحرف، وهي مبادرة تهدف إلى تطوير الكتابة
وإثراء المحتوى بالوصفات والمقادير التي يُخبز بها الحرف ليغدو كلمة ناضجة يتم تذوّقها
بشهيّة عالية. أحببت اسم المبادرة وفكرتها بعد حضور جلسة واحدة فقط، وكانت نيّتي
هي تقديم ورشة أو دورة تحت عنوان يتم ترشيحه من قبل المخبز. لكن الجميل في الأمر
أن صاحبة المخبز اقترحت عليّ خلاف ذلك، وهو أن تقيم لقاء شخصي معي وليس ورشة،
إيمانًا منها بقيمة التجارب الشخصية في إثراء المحتوى، واتفقنا على أن أحكي تجربتي
مع الكتابة والتدوين من خلال مراحلي العمرية والانتقاليّة.
في
الواقع، ليس من السهل أن تحكي تجربتك وتفاصيلك وما خضته من مراحل في لقاء مباشر
وإن كان أمام أشخاص معدودين. فالمحك ليس بعدد الحضور، بل بعدد المواقف والمشاعر والحقائق
الخاصّة بك وأنت تسردها للمرة الأولى بطريقة معلنة. فقد انطوى حديثي عن طفولتي
ونشأتي ومحيطي الأسري والمؤثرات الخارجيّة التي عايشتها وطبيعة الأنشطة التي كنت
أمارسها والمغامرات التي كنت أقترفها. كان الشعور أشبه برفع صوت سمّاعة داخليّة موصولة
بقلبي وعقلي، تروي شريط ذكرياتي وخطواتي الأولى وعثراتي وخيباتي في رحلة إدراك
الهواية وتبنّيها.
هي
المرّة الأولى التي أحس فيها بأنني أتحدّث لكي يتم الاستماع إليّ، لا لكي أقرؤني
أو أسمعني في المقام الأوّل. وهي المرّة الأولى التي توجّه لي فيها أسئلة مباشرة من
الحضور عن الكتابة والتدوين والصمود أمام الانطفاء الكتابي. كنت أتلقى السؤال
بأعجميّة، وأحاول الإجابة عنه بتلقائيّة، كان الأمر مدهشًا في استيعاب أثرك على الآخرين من خلال مشاركاتهم وأسئلتهم
المباشرة! كانت تجربة جميلة وكان اللقاء لطيفًا هادئًا ومثريًا، وكانت أمّي حفظها
الله من ضمن المستمعات والتي لم تفوّت لحظة من اللقاء واختتمته باحتضاني ومدحي
فأجبتها بأن تجربتي هذه هي من وحي تعليمها لي فعلّقت بتعليق دافئ أضحكني: "أنا
ما علمتك كذا لأني ما كنت أعرف أتكلّم مثلك أصلًا، أنت المبدعة".
احتفاء ذاتي:
ربما
يرى البعض بأن التجارب التي سعينا لها بأنفسنا ولم تحصل لنا من تلقاء نفسها (كدعوة
مزركشة للاستضافة أو طلب مرسل لك خصّيصًا لتقديم محتوى) هي تجارب لا تستحق ذلك
الاهتمام أو الشعور بالإنجاز والاحتفاء به. بينما أرى بأن هذه التجارب خصّيصًا هي
ما يستحق الاحتفاء كونها نبعت منك وإليك وإن كانت أبسط تجربة يمكن لك أن تتخيّلها في
واقع حياتك وظروفك. فهي التجارب التي تحدّيت بها نفسك و آمنت بها بقيمة فكرتك
واستحقاقك بعد توفيق الله وأحسست فيها أنه بإمكانك أن تفرض نفسك بلطف لتكون صديقًا
جديدًا في منظومة ثقافيّة مليئة بأصدقاء ملهمين سيفرحون بمعرفتك.
أما
عن احتفائي، فقد اخترت كعكة شوكولاته منزليّة مطليّة بكريما لذيذة وطبق زهري يحتضن
شمعة على شكل قلب وكتابة جملة "تجربة أولى" بنفس الكريما، مع فنجان من
قهوة أمّي الشقراء بالهيل والزعفران. احتفيت بهذا الطبق الشخصي بتجربتي الشخصيّة وحماسة
قلبي المشتعلة كاشتعال تلك الشمعة والتي تمنّيت أن تظل كذلك حتى بعد ذوبان شمعتي.
جميلُ هو الاحتفاء الداخلي بالإنجازات الكبيرة والصغيرة، والشعور بقيمة كل خطوة نخطوها ونشعر بأنّها خطوة تطلبت منا قدرًا من الإيمان والثقة الذاتيّة والعطاء بصورة مختلفة.
تعليقات
إرسال تعليق