عودة – إتقان العيش في المنتصف

 


ما أجمل العودة للأشياء التي نحب، للأماكن التي نهوى، وللحظات التي تشعرنا بالحياة، الشعور بالحياة بحضور حقيقي معها، بثقة وتوثيق، هذه الممارسة التي أحاول إتقانها منذ آخر مرة دوّنت فيها هنا، نعم، كنت أحاول...

محاولات العيش في الحياة التي تخصنا تبدأ صعبة، وتسهل شيئًا فشيئًا كلما تمسكنا بأحقيتنا بذلك العيش الحقيقي. كنت أوهم نفسي بأن لا فرصة لذلك إلا حين تستقر جميع الظروف والأسباب وأحوال الأحباب، لكنني تيقظت تمامًا لهذا الوهم، فالهموم جزء من العيش الحقيقي الواقعي والملازم للإنسان، إن لم يكن همه فسيكون هم غيره، من أفراد أسرته أو مجتمعه أو حتى العالم الذي يعيش اليوم نكبات تكدّر صفو السلام بأبشع صورة!

طيلة الفترة الماضية كنت أحاول، فالانغماس في تلك الهموم شوّهني، وأدخلني في دوّامة من صعوبة رؤية الجمال مجدّدًا في ظل الأحداث بمختلف مستوياتها الشخصية أو العامّة. فكيف نعيش في حياة تحمل الكثير من الاحتمالات الغير متوقعة البشاعة، فضلًا عما نعيشه أصلًا. لكنني كنت أحاول بكل ما أوتيت من إلهام إلهي ونور سماوي وإيمان رباني.

كنت أحاول إدراك وإتقان العيش في المنتصف، بين الصفاء التام والكدر التام، في المنطقة الرمادية بين الحياة الزهرية أو السوداوية، وأحاول اكتشاف كيف تبدو الحياة في تلك البقعة. البقعة الواقعية، التي ندرك فيها أن مواجهة الحقيقة (حقيقة الظروف أو ما نمر به) هو السبيل الوحيد للتوازن، وأن ليس من السليم أن نكون أشخاص مكبّلين واقعيًا ولا حالمين ومنعزلين افتراضيًّا. لكن أن نعيش الحقيقة بنور الحق، أن نقدّر أبسط التفاصيل الصغيرة في خضم الأحداث الكبيرة، أن نلحظ الفرص البسيطة لأحقية قضاء وقت هانئ حتى وإن لم نتمكن من حل المشكلات بعد! فقد كنت أحاول أن أتمسك بأحقية العيش حتى في أغرب الظروف والأيام، وكم من المواقف المرهقة التي ما إن تمر بسلام، حتى أهرع لكوب شاي وصفحة كتاب وتنهيدة طويلة وابتسامة لنفسي في المرآة، ثم أكمل ذات اليوم برباطة جأش ونَفَس عميق. عيش كل يوم بيومه، هو كان عنوان محاولاتي.

فحين نعيش بهذه الطريقة سنواجه يوم فقط وليس حياة، سنواجه ما هو كائن وحاضر فقط، لا ما كان من ماضي أو ما سيكون في المستقبل. محاولة عيش يوم واحد ليست صعبة، بل تهبك الكثير من المرونة والتسليم والرضا والمعونة لأن تملأه بكل ما أوتيت من حياة. فاليوم عبارة عن زمن محدود الساعات، ومنطقة مؤطرة تلائم حجم قدرتك الذهنية والبدنية على عيشها، وما تعدى ذلك فهو منهك وغير واقعي ومستنزِف دون جدوى. وبوصف آخر، قرأت تعليق جميل من ندى أسفل تدوينة (٤ أغسطس – محاولة من جديد) تقول فيه: "ولكي أكون بالمستقبل علي أن أكون في الحاضر"

أعجبتني جدًّا فكرة تقليص طاقتي ليوم واحد فقط، مما أدى إلى أن أعيش الآن مرحلة تكيّف، التكيّف أشبه بالتسليم، لكنه لا يعني الاستسلام البتة. التكيّف يجعلني شخص أهدأ، وأكثر إدراكًا لمحدوديّته وحدوده البشريّة تجاه التدابير الإلهية. فالإنسان أضعف من أن يتبنى مبدأ السيطرة على ما يجري، فذلك سيمنعه هو من أن يجري. الجريان مع أحداث اليوم والانسيابية في التقبل، والحرص على اختلاس محبوباتنا من الأوقات أو التفاصيل مهما كان هو ذخيرة العيش للحياة بطيب نفس وراحة بال.

 فلا تبذل سيطرتك على الحياة ولا تسمح لها بالسيطرة عليك، دعها تجري واستمر أنت كذلك بالجري، فلا أحد يفرض طبيعته على الآخر، فإن كانت طبيعتك تتقلب من فرح وحزن، كذلك هي الحياة، وقد يصادف حزنك ابتهاج الحياة، وقد تصادف أفراحك أتراحها، يومك وشأنك ودورك الفعلي هو ما يجب أن يكون نصب عينيك، فكثرة الالتفات انفلات، والتوقعات موقِعات، والنجاة في اليقظة.. والمحاولات.

مخرج – ماهي المنطقة التي تطيلون العيش فيها، الماضي أم الحاضر أم المستقبل؟ اشتقت إلى تعليقاتكم التي تنير صفحتي دائمًا.. 3>


تعليقات

  1. في آخر فيلم رامبو2 (أحد أفلام الأكشن في الثمانينات) يقول قائد الجيش لرامبو: أرجوك تعمل معنا، لأننا بحاجة لخبرتك. فيرد عليه رامبو أنني لا أريد سوى البقاء هنا (في فيتنام) ! فيقول له القائد: وكيف ستعيش حياتك هنا؟ فيرد عليه رامبو قائلا: ( سأعيش كل يوم بيوم فقط )!

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المرأة من منظور "زمّليني"

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

ثمن التجربة