نظرية اللاشيء
ضمن
أحد اللقاءات العابرة لإحدى أمسيات كامبريدج بإنجلترا دار أوّل حوارٍ بين ستيفن
هوكينج وزوجته جين ويلدي قبل زواجهما والذي استهلّهُ ستيفن بالإشارة إلى اهتمامه بعلم
الكون، لتبادله جين باهتمامها بالفن، و بذلك ابتدأ الحوار و الذي انطوى على أسئلة
سطحية بينهما، تجاذبا فيها أطراف الأفكار عن اللغات و العلوم و الدين.
- سألت جين ستيفن قائلة: ماذا يعبد علماء الكون؟
- فأجابها: معادلة توحيدية واحدة والتي توضح كل شيء في الكون (نظرية كل شيء).
- قالت جين: وماهي تلك المعادلة؟
- قال ستيفن: هذا هو السؤال، فأنا لست واثقاً جداً بعد.. ولكنني عازم على اكتشافها.
ستيفن ويليام هوكينج أحد علماء الفيزياء النظرية و
علم الكون و الذي ذاع صيته على مستوى العالم. حيث ولد في أكسفورد لعام 1942 ودرس
في جامعة أكسفورد ليبحر في عالم الفيزياء و يحوز درجة الشرف الأولى فيه و التي
كانت طريقاً ممهداً لإكمال مسيرة شغفه العلمي في جامعة كامبريدج للحصول على
الدكتوراه في علم الكون. لم يمل ستيفن من رحلتة حول الكون والسعي نحو إثبات ماهيّة
نظرية الكل شيء، فعمل على أبحاث نظرية عديدة في مجال علم الكون و الارتباط بين
الثقوب السوداء و الديناميكا الحرارية و التسلسل الزمني.
القتال
من أجل الفكرة:
في
السابق، كان ستيفن شاباً مهوساً بتلك الأفكار الكونية، والتي شكّلت منه شخصاً ذو
سعي دائم نحو القراءة والاطلاع والتفكّر و البحث عن الإجابة لكل سؤال يُطرَح حول
آفاق الكون الشاسع في مرحلته الدراسيّة. لم يكن ليفوّت المحاضرات والواجبات
الفيزيائية مهما استعصت عليه إجاباتها وفك ألغازها، لم يكن ليتوانى عن المحاولة و
الهرولة نحو القاعة في كل صباح لبدء رحلة اكتشاف جديدة، حتى انتهى به المطاف ذات
يوم إلى السقوط على وجهه في ساحة الجامعة بفعل عدم الاتزان الذي كان يراوده منذ
فترة، والذي أسفر عن إصابته بمرض العصبون الحركي.
لم
يكن ستيفن يعلم بأن هذا المرض يعني خسارته لحركته تدريجياً، وإصابته بالشلل في
أعضائه شيئاً فشيئاً مع لوقت، واحتمالية عيشه لمدة لا تتجاوز السنتين فقط، حتى
اختلى بطبيبه ليعرف الحقيقة القاسية. ولكنه وبالرغم من وقوعه تحت صدمة العجز
الأولى، تذكّر عقله المليء بالأفكار الكونية و الألغاز التي لم تُحل بعد، و خشيَ
أن يكون مصيرها إلى النسيان و الهذيان.. بفعل هذا المرض. لكنه سرعان ما اطمأن حين
أجابه الطبيب بأن أفكاره الدماغية لن تتأثر بالمرض، و ترك له كلاماً عريضاً مفاده
أنه لن يعلم أحد بتلك الأفكار التي في دماغك ما دامت حبيسة الدماغ فقط. من هنا قرر
ستيفن القتال من أجل الأفكار، و تحدي العجز من أجل نشرها و إكمال رحلة البحث في
علم الكون و استكمال نظرية الكل شيء، ليعيش ما فوق السنتين، بل عاش سنيناً طويلة تصل إلى الخمسين سنة.
رحلة
ستيفن نحو الزمكان:
قبل
سنوات عديدة، ابتدأ أينشتاين رحلته نحو الجاذبية، وأثبت خاصية تلك الجاذبية بالزمان
والمكان (الزمكان). الزمكان مفردة تشير إلى أن الزمان والمكان يكونان في اندماج
عبر نسيج واحد. حيث يجتمع الفضاء ثلاثيّ الأبعاد مع الزمن ذو البعد الواحد. وقد أظهرت النسبية العامة الصلة بين الفضاء والوقت،
وقد فسر أينشتاين ارتباط الزمكان بكثافة المادة والطاقة في معادلاته والتي قام
العلماء بالاستفادة منها في اكتشاف ما الذي يمكن حدوثه للزمكان في ظروف غامضة مختلفة
كما فعل ستيفن!
عاد ستيفن بأفكاره للبداية، و تصوّر الحالة الأولى للمواد حين كانت في ظروف
ضغط جعلت منها مواد مكثفة في نقطة واحدة، التي أُطلِقَ عليها الثقوب السوداء. من
هنا بدأ ستيفن رحلته ليكتشف مبدأ هذا الضغط و التكثف ولكن ليس للزمكان في محيط
الثقوب السوداء فقط، بل في كل شيء.. أي الكون بأسره. فأخذ يدرس الكون و اتساعه
المستمر المعروف، و الذي يعني أن الكون كان بالتأكيد في يوم ما أصغر وأكثر كثافة. وعندما
نعود بالزمن للوراء، نجد أن عامل المقياس يجب أن يكون صفراً. أي أن كل المادة وكل الطاقة
الموجودة في الكون لا بد أنها كانت ضمن نقطة واحدة بكثافة عالية جداً.. تفرد كوني.
من هنا توصّل ستيفن إلى مبدأ الانفجار العظيم للكون. و أصر على أن التفرد الكوني
عبارة عن ميزات تنبؤيه متوقَّعَة تسمح بوجود كون يبدأ من التفرد الكوني، فهي نظرية
بداية كل شيء.
نظرية
اللاشيء:
تمت محاولة إلغاء نظرية ستيفن للتفرد الكوني بفعل نظرية الحالة الثابتة و
التي تنص على أن الكون لا بداية له و لا نهاية. بل إن بعض النظريات تتنبأ أنّ الكون
لا يمتلك بداية على الإطلاق، وإذا عُدت بالزمن إلى الوراء سيرتد الكون ككرةٍ تقريباً
ليعود إلى الحالة السابقة. وتم طرح التساؤلات الكبيرة عن عدم طرح ستيفن لمعادلات
ما قبل الانفجار الكوني الذي يؤكده، ليوضح التنبؤات لما قبل النقطة الواحدة التي
كانت بداية كل شيء، لينتهي الأمر بــ(اللاشيء). فقد كان ستيفن متمسكاً بآرائه
لدرجة نفيه لوجود خالق لهذا الكون.. تعالى الله القائل:
اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَّهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (66) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (67). الزمر
فهل يمكن الاعتقاد بأن ثمة أمر خلف شراسة ستيفن
تجاه نظرية الكل شيء، هل يمكن الاعتقاد بأن ستيفن كان محض أداة لتحقيق أهداف
مرجوّة من بعض مؤسسات العلم والعلماء الذين يقبعون
تحت مظلات سرّية. أم أن عجز ستيفن الجسدي جعل منه إنساناً مخلصاً للعقل بشكل هوسي
فاق توقعات العالم، فغدا سابحاً خارج حدود ذلك العقل متجهاً نحو حدود الكون مؤمّلاً
بأنه سوف يدرك ما وراء تلك الحدود العقلية و الكونية؟ أم أنه لم يلتفت إلى أن
العقل ذاته هو محض طاقة محدودة التفكير و الاكتشاف مهما صارع الإنسان حدودها و
خواطرها الواسعة؟ ربما تكون الحكاية قد انتهت بموت ستيفن، أو ابتدأت من جديد للإجابة عن الأسئلة الغامضة التي وُلدت بعده.
تعليقات
إرسال تعليق