الزير سالم
منذ الطفولة
وهذه الشخصية تتشبث في ذاكرتي، فقد كنت أتأمل شاشة التلفاز ومشاهد حكاية الزير، وألتفت
إلى والدي فأرى ابتسامته الحازمة مع كل مشهد واندماجه الكبير، كنت أتعجب كثير
حماسه لهذا المسلسل التاريخيّ، حتى وقعت أنا في ذلك الارتباط بيني وبين حكاية
الزير سالم. وجدتني أكرر مشاهدة المسلسل مع والدي دون ملل، أقرأ في قصة الزير والتغلبيين
والبكريين. وفي كل مرة أجد شيئاً في نفسي من التأثر والاندفاع مجدداً يقودني نحو
التعمق في القصة قراءةً ومشاهدة، واستمر ذلك لعدة سنوات، حتى جاءت اللحظة التي أود
كتابة ما استثارني من تلك الحكاية هنا.
الزير
سالم شخصية حقيقية من قبيلة بني تغلب بنو وائل في جزيرة العرب، رويت عنه الكثير من
الأخبار في البسالة والشجاعة والأخذ بالثأر، حتى كثرت فيها المغالطات والأقاويل
فامتزجت الحقائق بالخيال. فالحكاية تدور حول أخوين من بني تغلب الزير سالم و كليب الذي تم قتله على يد ابن عمه من بني بكر، ليتحمل الزير الأخذ بثأر أخيه. بالنسبة لي شكلت مشاهد المسلسل الجزء الأكبر من شخصية الزير سالم رغم بُعدها بعض الشيء عن الحقيقة، لكنها رسمت في داخلي مواقفاً عديدة جعلت من
الزير شخصاً لا يتكرر.
الزير
الأخ:
بالرغم
من أن الزير كان ذو لهو وشرب ومرح، بينما كان أخاه كليباً ملكاً على العرب يرعى شؤون
البلاد والجنود، إلا أن الزير كان الأخ الحكيم والمتأني في مواقف عدة، خاصةً حين
كان يوجه أخاه كليباً بأن يتأنى مع خصومه من البكريين ويمنعه من الحرب وقطيعة
الرحم. علاقة الزير بكليب أشبه ما تكون بالشيء المخفيّ والذي لا يُكشَف جوهره إلا
مع مرور أقسى الظروف. كان كليباً يلقي بكلماته الساخرة على الزير قائلاً: "
إنما أنت زير نساء، والله لو قُتلتُ ما أخذت بدمي إلا اللبن”
ولم يعلم كليباً بعد مقتله بأن
الزير سوف يغير مجرى حياته بالكامل وأنه سيعزم على قتل رجل أو رجالاً من البكريين بكل قطرة دم سقطت من جسد أخيه، و أنه سيقيم حرباً للثأر تدوم أربعين سنة، فقد قال صبيحة مقتل أخيه:
"هل استيقظت بكر كلها ( أي قبيلة بكر)؟" قالوا له نعم. فقال: "إذاً استيقظ اللذين سيموتون"
الزير
والحرب:
إن
الحرب كانت الوجه الآخر لعملة هذه الشخصية الغريبة، فهل يعقل أن شخصاً عاش على
مجالس اللهو والشرب والضحك زمناً، أن يتحول إلى مقاتل شرس لا يأبى إلا الانتقام من
قبيلة بأكملها؟ فقد حرّم على نفسه اللهو منذ اللحظة التي استيقظ فيها وعلم بمقتل
أخيه وارتدى زيّ الحرب وأعلن الثأر على أبناء عمومته. وكأنه قد شق عن مخلوق آخر
يسكن بداخله، مخلوق حوّل عمى اللهو إلى عمى الحرب، فانطلق يضرب أعناق البكريين
أجمعين عن بكرة أبيهم. المقاتل الذي لا يكترث، الشرس الذي لا يلين، الحازم الذي لا
يتهاون، على أرض الحرب يكون الزير كالأسد، والخصوم فرائسه.
الزير
والوفاء:
للزير
صديق وفيّ، كان يرى نفسه فيه، همام البكريّ ابن عمه القريب إلى نفسه، والذي يصحب
الزير في حله وترحاله، في مجالس لهوه وفي أوقات حزنه وهمه. همّام كان الشخص
الملاصق للزير حتى قام جساس أخو همّام بقتل كليب، فانقلبت الأقدار ودقت طبول الحرب
التي لا تعرف قريباً أو صديقاً، واجتمع الزير بهمام على ساحة القتال بين جموع من
القبيلتين. يجسد المشهد (مع عدم الأخذ بكامل المصداقية) لقاء الصديقين المؤثر، حين
أخذ همّام وهو يمتطي فرسه يلاحق الزير بين صفوف المعركة، ويناديه بأعلى صوته كي يبارزه،
بينما كان الزير يحاول الصدّ عنه، ليتجلّى وفاء الزير سالم وعظيم شعوره تجاه
الصديق والصداقة بالرغم من الدم والثأر. حتى هتف همام بهذه الجملة:
"لا تجبرني أن أطعنك من الخلف يا سالم"
استثارت تلك الجملة غضب الزير فبارز همام وألقاه
صريعاً ثم احتضنه متأملاً وجهه النازف وضحكته في ليالي السمر، ومواساته في ساعات
السهر، حتى ذرف الدمع على صديقه القتيل وهو قاتلُه.
هذه
المواقف التي تصدر من هذه الشخصية تمثل الكثير من القيم المدفونة في هذا الرجل في
ذلك الزمن القديم، وكيف أن لكل قيمة جذورها التي لا تنفك عنها برغم من تضارب
الظروف والأحداث. كما أن هذه الشخصيات الممتزجة في شخص واحد كالزير ليست بعيدة عن
الألقاب التي لُقّبَ بها، فقد لقب بزير النساء أي جليسهن. كما لقب بالمهلهل لأنه كان
يلبس ثيابًا مهلهلة. كما يقال بأنه قد لقب مهلهلاً لأنه هلل الشعر: أي أرقَّه، وكنّي
بأبي ليلي وذلك لرؤيا رآها في صغره؛ فرأى نفسه ينجب فتاة اسمها ليلى يكون لها شأن عظيم.
تجدون حكايته كاملة بشكل مختصر {هنـا}.
جميلة جدا ... شدتني
ردحذف:)
شكراً دهشة =)
ردحذف