المشاركات

رويدًا باتجاه الأرض

صورة
كنتُ في زيارة للبحر هربًا من غرق اليابسة وروتين ركض المدينة، كنت أحس بحاجتي للساحل لإعادة تشكيل طينتي النفسية، ورويّتي الحياتيّة، كمحاولة لاستعادة الأنا من أنانيّة المهنة وقائمة التزامات لا تفتأ تستطيل وتتفرع وتلتف حولي حتى بدأت أنساني وأفقد إنساني. أمام البحر مارستُ طقوس طفولتي، انغمرتُ في الماء، وحملتُ الطين في كفّي، جمعتُ الأصداف، وركضت بقبعة القش على جانب الشاطئ بخطوة في الهواء وأخرى باغتتني بانغراسها في الطين والماء، داعبتُ الغروب بأغنية فلحقتني الشمس، واستحال غروبها إشراقًا فيّ، رافقتُ أناس أحبهم وضحكت حدّ التبلل بالدموع، بتّ بمسكن على الساحل واختليت بأحزاني حتى غادرتني بالدموع كذلك. في اليوم الأخير اغتنمتُ سويعات ما قبل العودة لزيارة مكان أحبه تربطني به ذكريات حنونة ولحظات خاصة من الدهشة والإلهام، مركز إثراء. كان الوقت صباحًا وكان الهدوء طاغيًا. لم يكن هناك تخطيط سوى زيارة متحف للحِرَف اليدويّة ثم الاختلاء بكتاب قيد الصدفة في المكتبة. وفعلًا بعد انتهاء جولة المتحف الفريدة والتي أخذتني لفرصة التعرف على أسرار مخطوطات أثريّة وتحف فنيّة وزيارة ركن الروشن الحجازي الذي تتخلله الإض...

فضائل الأمور البسيطة

صورة
في معرض الكتاب الماضي أثناء تجولي بين الدور قمت بالتوجه إلى دار تشكيل وتقليب نظري بين الكتب، لفتني كتاب بعنوان فضائل الأمور البسيطة وبمجرد أن لاحظني مسؤول المبيعات حمل الكتاب في يده وبدأ بتعريفه لي وبمحتواه الذي أثار فضولي كونه يعزز فكرة تبسيط حياتنا المعقدة ويلفت انتباهنا إلى استشعار الأمور البسيطة وفضائلها، فاقتنيته وقرأته. التدوينة ليست مراجعة للكتاب، بل مراجعة للحياة من منظور سطوره. تستعرض مؤلفة الكتاب مارينا زويلين الحياة كخلاصة لتجاربها المجتمعية والفلسفية وتطرحها بتساؤل: لماذا يرتاب البعض من good-enough life (الحياة الجيدة بالقدر الكافي) ؟ أو الحياة المعتدلة أو القائمة على الوسطية، هل لأنهم يعتقدون بأنها عبارة عن الرضا بالقليل والقناعة بأبسط الحقوق؟ وقد نفت ذلك مباشرة وأصابت في التعريف الصحيح لتلك الحياة الطيبة: "الحياة الجيدة بالقدر الكافي لا تتعلق بخفض سقف طموحاتك أو بتقديمك مجموعة من التنازلات إلى حد يحبطك، بل تتعلق باختلاف نظرتك إلى الآخرين، وإعطائك المزيد من الاهتمام لما يكمن خلف مجموعة الإنجازات اللافتة." وأظنها ترمي إلى أن الاكتفاء في هذه الحياة المعتدلة لا ي...

استلهامات عن القوة – من وحي فتاة رقيقة

صورة
كم أحب نهار السبت، الوقت الفاصل بين نهاية الأسبوع وبدايته، بين اجتماعات العائلة واجتماعات العمل، المحطة التي أقف فيها على حافة الحياة وأستنشق حياتي، دائمًا ما أقضي لحظات نهار السبت برفقة طبق محبب كالخبز الفرنسي مع الفراولة والتوت والقهوة السوداء، أو الخبز المحمّص مع مزيج اللبنة بالفلفل الملون والنعناع والزعتر والشاي الإنجليزي، وقراءة أسبوعية لكتاب مطوّل. نهار سبت اليوم فضلت قضاءه هنا في مدوّنتي، أكتب عن ما يثير فضولي نحوي ونحو ما استجد من مدارك محطات العيش. الإدراك الذي أثار فضولي مؤخرًا هو اكتساب القوة، كيف اكتسبتُ القوة؟ رغم أنوثتي كفتاة من جانب ومن جانب آخر شخصيتي الرقيقة والمتعاطفة والمتعلقة بأسباب الأمان والضمانات الحياتيّة. وبالعودة إلى العهد الذي كنته، حين كنت متذبذبة تجاه معاني القوة، أتذكر كم تأذيت من فكرة الضعف، فكرة اللجوء إلى القوة بدل التحلّي بها، عدت إلى تلك المرحلة من خلال دفتر قديم اعتدت تدوين محطات حياتي المهمة فيه ببنود عريضة غدت كمرجع للتأمل والتفكر في سيري خطوة خطوة نحو الحياة الطيبة. في صفحة تعود لعام 2019 كتبت فيها (بالمناسبة كان يوم سبت كذلك حينها ^^) فضفضات ...

هل أنت قالَب؟ - حوار ذاتي

صورة
  في لقاء استثنائي مع الذات اكتشفت كم أنا بعيدة عني، أو أسأت فهمي وقد كنت أعتقد بأنني أعيش حقيقتي وأحيا بطريقة تعكس روحي. كان ذلك اللقاء غريبًا، فقد كنت مصابة بالرشح بطبيعة الحال في موسم شديد البرودة كهذا، لكنه الرشح المستحدث والذي يلزمك الفراش أو الأريكة إن كنت في حال أفضل، ويسلب منك أحقيتك في استنشاق عطورك المحببة أو تذوق أطباقك المحببة كذلك، كان يوم مرهق بدأ التعب يتسلل إلىّ فيه دون إدراك مني وكنت في خضم إنجاز مشاوير هامّة تفرغت لها خصيصًا في نهاية الأسبوع. بعد إتمامي لمشاويري وقضاء أمسية مليئة بالفعاليات وتحقيق الأمنيات، تعجبت من أنني لم أشعر بشيء، لم أكن أشعر بالرضا ولا بالمتعة، لم أفهم لماذا، فقد كنت أقاوم كل هذا التعب وزحام الشوارع لأجل ذلك، لأجل تلك الرغبات، ولطالما لم يمنعني التعب من الشعور بذلك، ولم يحل بيني وبين متعتي الروحية، ما الأمر، أين هي روحي؟ أدرك تمامًا أن المزاج والراحة والمرض له دور في عدم انسجامنا مع ما نقوم به أو ما حصلنا عليه، وأن الامر ليس بهذا التعقيد، لكنني حقًا أميّز تمامًا بين تعكر المزاج والحالة الصحية وبين التيه المحيّر، وهنا كنت أعلم في قرارة نفسي بأ...

ثنائية الرغبة والخوف

صورة
عودة للتدوين أخيرًا، منحتها لي فرصة نوم ساعات كافية والنهوض مبكرًا بالشعور باليقظة والهدوء وانسيابية شوارع الرياض والمقهى الذي أحب. عنوان التدوينة أضاء بداخلي فجأة وبدت التوكيدات الذاتية بأنه الموضوع الأنسب لما أود الثرثرة عنه. بعد سنة من انتقالي للرياض، بدأت أتأقلم مع فكرة أنني تلقيت الكثير وحان الوقت لأحدد ما أريد. أعني بالتلقي هو التعرض للكثير من المدخلات من خلال عيش التجارب الاجتماعية أو الثقافية أو حتى النفسية مما يؤدي إلى تراكمها في المحصلة الذاتية، وهنا تشعر بامتلائك وحلول موسم الفلترة وتحصيل المدارك من كل تلك المدخلات واتخاذ القرارات نحو النمو، فأنا أؤمن دائمًا وأبدًا بأن الغاية من التجارب هو النمو الدوري وتشكيل الواقع تبعًا للصورة الذهنية التي تتسع مع مرور سنوات حياتنا بشكل مستمر. أقول ذلك لأن قرار الانتقال بحد ذاته جاء كمحصلة ذاتية بعد خوض تجارب سابقة كثيرة تمنحك البصيرة والرؤية التطلعية التي تجعلك تميل للنمو والتغيير والتحسين وتجنب تكرار التجارب بذات الدروس الجميلة أو القاسية. ولكن بعد أن تفعلها وتتخذ ذلك القرار تبدأ في مرحلة جديدة من محاولات فهم ما يحدث والسعي لتشكيل وا...

عودة – إتقان العيش في المنتصف

صورة
  ما أجمل العودة للأشياء التي نحب، للأماكن التي نهوى، وللحظات التي تشعرنا بالحياة، الشعور بالحياة بحضور حقيقي معها، بثقة وتوثيق، هذه الممارسة التي أحاول إتقانها منذ آخر مرة دوّنت فيها هنا، نعم، كنت أحاول... محاولات العيش في الحياة التي تخصنا تبدأ صعبة، وتسهل شيئًا فشيئًا كلما تمسكنا بأحقيتنا بذلك العيش الحقيقي. كنت أوهم نفسي بأن لا فرصة لذلك إلا حين تستقر جميع الظروف والأسباب وأحوال الأحباب، لكنني تيقظت تمامًا لهذا الوهم، فالهموم جزء من العيش الحقيقي الواقعي والملازم للإنسان، إن لم يكن همه فسيكون هم غيره، من أفراد أسرته أو مجتمعه أو حتى العالم الذي يعيش اليوم نكبات تكدّر صفو السلام بأبشع صورة! طيلة الفترة الماضية كنت أحاول، فالانغماس في تلك الهموم شوّهني، وأدخلني في دوّامة من صعوبة رؤية الجمال مجدّدًا في ظل الأحداث بمختلف مستوياتها الشخصية أو العامّة. فكيف نعيش في حياة تحمل الكثير من الاحتمالات الغير متوقعة البشاعة، فضلًا عما نعيشه أصلًا. لكنني كنت أحاول بكل ما أوتيت من إلهام إلهي ونور سماوي وإيمان رباني. كنت أحاول إدراك وإتقان العيش في المنتصف، بين الصفاء التام والكدر التام،...

ثمن التجربة

صورة
ملاحظة: أكتب هذه التدوينة أو إن صح التعبير هذا النص على طاولة مجتمع الكتابة بمقهى أشجار، أكتب وسط كتّاب في صمت يعم المكان وصخب يجتاح كل الأشخاص الموجودين مع دفاترهم وأجهزتهم، لذا سأكتب بفعل كل هذا الهدوء والصخب معًا إيفاءً بوعدي لمجتمع الكتابة. قرأت صبيحة اليوم اقتباس شجيّ تقول فيه روزا:  "يترك المرء جزءًا منه ثمن كل تجربة، لذا يحنّ حين ينظر إلى صور الطفولة،حين كان كاملًا "   عن التجربة الذاتيّة، فكرتها ونشوتها، قلقها ودوافعها، تمنّيها وتوخيها، التجربة، الخطوة الأولى لقول نعم، والخطوة الأخيرة لقول لا، الدهشة والسلّم الممتد لقعر القلب، التجربة سبيل نحو السبيل، مشاعر باردة ومنعشة، تسمّى سلسبيل. تلك هي التجربة حين تستقر في هاجس الإنسان رغبةً ورهبة، وربما هكذا يراها ويتصوّرها، لكن التساؤل الذي أطرحه هو: ما ثمن تلك التجربة بما تحمله من كوامن شعورية؟ وهل الثمن الذي نقدمه إيزاء ركوب التجارب يُضاف لنا، أو يقضم منّا؟ تقول روزا بأن الحنين يجتاح المرء نحو طفولته، حين كان كاملاً، أدهشني الوصف حقًا، وهنا أرى المفارقة، فالذي يدفعنا للتجربة قد يكون شعورنا بأنها تنقصنا، وبأننا سنكمل ج...