عابر حياة - تجلّيات
مرحبًا، هذه هي التدوينة الأولى في مدوّنتي بحلّتها البيضاء الجديدة، فضلت اختيار المساحة المتحرّرة من أي زركشات أو زهور، لتبقى ذات واجهة صافية وحياديّة، تتلوّن بكل تدوينة في كل مرة حسب صبغة معانيها ومواضيعها و مرفقاتها وصورها، هكذا فضلت أن تكون وتبدو، تمامًا كما تبدو الحياة لي أو يجدر بها أن تكون، حياديّة.
في الفترة الراهنة أحاول أن أسمح لنفسي في مواقف كثيرة أن أرى الحياة بحياديّة، أن لا أتحيّز إلى وجه من وجوهها أو إلى مرحلة من مراحلها، مطمئنّة بثوابت وإيمانيّات أرسّخها في الداخل، ثم منفتحة ومتقبلة لما يذهب ويجيء في الخارج، أحيانًا كلما شعرت بالإعياء النفسي، أدرك أن ثمّة انحياز يعبث بي، وبأن الذي يطغى على الجو العام هو رفض الحياديّة تلك.
أقرأ حاليًّا كتاب "عابر حياة"، كان رفيقي قبل يومين في المقهى، استغرقت فيه مع فنجان قهوة بالحليب وقطعة كعك، حجبتني القراءة في صفحاته عن المحيط الخارجي، عن العابرين والجالسين، وحين رفعت رأسي وجدت المقهى ممتلئًا بعد أن كان شبه فارغ. ورغم أنني لم أزل في مقتبل الكتاب، إلا أنني أراهن على غزارة معانيه وما سوف تحدثه في نفسي، أحببته لأنني صادفته وصادفني ذات نهار على الرف وأنا أتجوّل في المكتبة، في فترة كنت أراجع فيها الكثير من القرارات والخطوات ومحاولات تزكية النفس، التقطته في تلك اللحظة مباشرة بعد أن قرأت الوصف الخلفي:
"حين يسألونك عن جهاد النفس الحقيقي, أخبرهم أن أصدق الجهاد هو قدرتك على أن تبقي هذه الروح فتية قوية شجاعة شابة رغم كل شيء. أن تبقي هذا القلب نقيًّا, صالحًا للحياة الآدمية بعد كل تلك المفاجآت.. والعثرات والانكسارات والهزائم, وكأنك ما زلت في الصفحة الأولى, في السطر الأول من مشوار العمر..
الجهاد الحقيقي: جهادك مع قلبك كي يبقى أبيضًا رغم كل تلك المعارك .. فلا تتغير ملامح الإنسان فيك للأبد! "
الحياة قصيرة لكنها مثيرة، سريعة جدًّا لكنها تمر من خلالك أنت، تتخللك وتعبر من خلال مداركك وتختبر ردات فعلك، وأصاب المؤلف في اختيار كلمة جهاد، لأن ثباتك تجاه تقلبات الحياة لا يأتي طواعية بل بالمجاهدة والمعاهدة بأن تكون بخير، وعلى خير. وأن تهب نفسك الأحقّية بإنسانيّتك، فأنت لست حديديًّا، كما أنك لست ريشة!
الجدير بالذكر هو أنني أمارس التأمل كثيرًا في هذه المعاني عن الحياة مؤخّرًا، ربما هي تجليات رمضان بعد تجربة الانقطاع والخلوة، أو بفعل التفرغ بسبب انخفاض ضغط العمل بعد أشهر منهكة من البذل الدؤوب في وظيفتي، أو بفعل قفزة نمو ذاتي جديدة تستعد لذكرى ميلادي القادم في يونيو، أيًّا كانت البواعث، إلا أن ذلك التأمّل أمر جيّد حين يدفعك للتفكير بشكل أفضل والتهذيب والانتقائيّة في مواقفي وتجاربي بل وحتى في تفاصيلي وتفضيلاتي القرائيّة أو الصوتيّة والمرئيّة التي لعلّي أخصّها بتدوينات مستقلّة بإذن الله فيما بعد للحديث عنها بإسهاب. لكن ما يحضرني حاليًّا هي حلقة من بودكاست رذاذ بعنوان " بحلوهــا .. ومرّهــا "، استمعت لها بخفّة أثناء سيري على جهاز الجري، فكانت معانيها منسابة ولطيفة تؤكد على مبدأ الاتزان وعيش الحياة بحياديّة.
أحب الارتباط بالمعنى الحياتي عمومًا في كل شيء، ليس فقط في التجارب والتأملات المعنويّة، بل حتى في المقتنيات الماديّة، فأميل لاقتناء القطع التي تنص على معاني جميلة أو تشكلها بطريقة ما. مستمتعة حاليًّا بمنتج لطيف وهو شاي بنكهة أوراق التوت، في كل مرة أعد كوبًا دافئًا منه ترافقني معه معانٍ دافئة من خلال الرسائل المتدلّية من ظرف الشاي، أستمتع بارتشاف نكهته الخفيفة جدًا على المعدة وأنا متحمسة لرسالة جديدة دائمًا ما تلامس وتصيب توجيهاتها مواقفي وأفكاري وتلهمني. لدرجة أنني بعد الانتهاء من كوب الشاي أقوم بقص تلك الرسائل وفصلها عن أظرف الشاي والاحتفاظ بها كقصاصات بدلًا من رميها.
كانت هذه تدوينة سريعة أستعيد فيها لياقتي الكتابية دون سابق إعداد، كتحيّة أو مصافحة أجدد بها العهد مع التدوين والحديث عن تفاصيل صغيرة لها معانٍ كبيرة في قلبي، ولا أنكر بأن المدوّنة "وحشتني"، وأنتم كذلك!
لاقتناء كتاب عابر حياة لثامر عدنان شاكر - دار مدارك
للاستماع لحلقة بودكاست رذاذ: بحلوها .. ومرّهـا
لطلب شاي يوجي بأوراق توت العليق من IHerb
أهلًا بعودتك :)
ردحذفممتنة لك 3>
حذف