حياة الركض لا تشبهني
ما بوسع الإنسان أن يفعل حيال الركض، حيال حياة لا تهدأ، والتزامات لا تنتهي، ومشاوير لا تنطوي، و إشعارات لا تمهلك فرصة إتمامها لتأمل صفاء شاشة هاتفك من الأوسمة الحمراء، ومهام عمل ترفض أن تُمحى من قائمة الإنجازات، وعن بريد وظيفي لا يتوقف عن الرنين، وأمنيات صغيرة مؤجلة لا تكف عن الطنين، ما بوسع الإنسان أن يفعل حيال الإنهاك، وعدم القدرة على الفرار أو الفكاك!
هل من الطبيعي أن يتنازل الإنسان عن أمور سعى لها بمجرد أنها تشعره بأنه منهك؟ أن ينسحب كجندي مهزوم من ساحة حرب؟ هل يُفترض أن يعتبرها حرب من الأساس؟ هل الروتين اليومي أو الوظيفي أو الظروف الاعتياديّة قد تبدو غير اعتياديّة في فترة ما من العمر؟ ماذا عن نسختنا الوديعة؟ ماذا عن قوتنا ونشاطنا وعنفوان رغباتنا؟ ماذا عن صفاء البال وضمان رغد العيش؟ أظنها تبدو كأمنيات، أو كمطالب يعز الحصول عليها في فترة تعج بالمسؤوليات الفردية وبناء النفس والاستقلاليّة وشق تجارب جديدة وإن كانت ثقيلة في سبيل تحقيق كل ذلك.
أعيش نسخة مناقضة مني، ومختلفة عني، مثالية ومنهكة، تؤدي كل شيء بانتظام، عدا تنظيم ذاتها، فذاتي مركونة جانبًا تنتظر مني انتشالها واحتضانها والرقص برفقتها على أنغامي المحببة، أدرك تمامًا أن الأمور قد تبدو أبسط مما أصف، لكنها بالنسبة لي أكبر مما أصف، فكوني شخص يقدّر جدًّا المرونة وعدم تكليف النفس فوق طاقتها، الهدوء، تزكية النفس، والاستلهام والإلهام، وأخذ قسط كافي من الاهتمام، يصعب عليه تحمّل حياة سريعة وبليدة، حياة الركض، أدركت بأن حياة الركض لا تشبهني، وأعترف بأنني حائرة لاتخاذ مسارات سويّة تلائم الحياة التي تشبهني، الحياة القلبيّة، المتروّية والمُروِيَة، التي أقضيها باختياري، لا بشكل تنفيذي واضطراري، كل يوم، الحياة التي أجدني فيها هادئة، متيقظة، لا قلقة وعائمة بين كومة أولويّات تتقاتل لإتمامها، حياة أولويّتها لقلبي، ولكل شيء أقضيه بقلبي، لا بدافع البدء من أجل الإتمام، والفعل لأجل ردة الفعل، والسعي لأجل الوصول، حياة تكمن في الرحلة، في تأملها، وفي الاستمتاع بمنعطفاتها ومسالكها، حياة أحيا بها، لا حياة تحيا بي.
بكل تأكيد أؤمن بحياة الكبد وبالظروف الغير مريحة أو المنهكة، لكنني أميل إلى حياة تكون فيها الإنهاكات استثناءات وليست نمط عيش، فهناك فارق بين أن تسير راكضًا من بداية الرحلة إلى نهايتها، وبين أن تسير بنمط يمنحك فرصة التأمل والمتعة وقد تواجهك منعطفات أو هاويات أو مخاطر تستدعي منك أخذ الحيطة أو الإسراع أو القفز أو الركض لإتمام التجاوز وإكمال السير بهدوء مجدّدًا نحو وجهتك!
في كل مرة أبدأ التجارب بهدوء ثم أجدها تقيّدني، أتأكد أكثر من حقيقة هذا الاعتراف؛ حياة الركض لا تشبهني. الذي أمقته هو فكرة ربط الحياة الهادئة (التي يتمناها كثيرون) بقلّة الحس المسؤول، أو الميل إلى الكسل والخمول، الأمر بعيد كل البعد عن ذلك، فالحياة التي تشبهك تعني أن تعيش بالطريقة التي تلائمك والتجارب والأماكن والظروف والإمكانيّات التي تلائمك وتؤديها بمرونة والتي تلبّي رؤيتك ورسالتك في حياتك، ولا ترمي البتة إلى حياة فارغة يرتع فيها المرء في لهو ولعب.
{قل إن
صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}، أكرر هذه الآية في صلاتي كثيرًا كثيرًا،
أحاول تذكير قلبي بها، ويزداد إيماني بأن عليّ استحضار تلك الملكيّة الإلهيّة لحياتي
في كل منعطف وتجربة ومسار أود سلوكه، فربط كل تجربة في حيواتنا بالله أراه هو البصيرة
التي نبصر بها حقيقة تلك التجربة، ويتجلى معها مدى اقتناعنا بها وانسجامها مع نوايانا
وسعتنا الروحيّة وقدرتنا الجسديّة وفطرتنا البشريّة. فالله منحنا الحياة لكي نحياها،
شريطة أن نحياها معه وبه وله، هنا وهنا فقط سوف نحيا الحياة التي تشبهنا. عندها سوف
تستوقف نفسك، وساعات يومك، والتزاماتك، ومهامك، تستعرضها وتتأملها، وتتساءل، ما الذي
لا يشبه روحي، ويتنازع مني ملكيّة حياتي الإلهيّة؟ ما الذي يحيلني إلى كائن، ينفذ دون
أن يشعر، ينجز دون أن يتحفز، يصلي جسديًّا دون أن يرتقي روحيًّا، يُستنفذ دون أن يُشحَن،
ويقضي مع زحام الأرض أكثر مما يقضيه مع فسحة السماء، ويركض دون إنهاء الرحلة أو الاستمتاع
بها !
كلام يشبه مابداخلي تماما 🥺، سلِمت يدكِ وقلمك 🌸
ردحذفشكرًا لك سلمك الله من كل شر 3> 3>
حذفبشرى الكلام في. القلب ، 😭 عطينا الحل شنسوي 😭
ردحذفالتوازن ترياق الحياة، فنعطي كل شيء حقه دون إفراط أو تفريط، وفي هذا نجاهد جميعًا
حذف❤️❤️❤️❤️❤️
ردحذف❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
حذفصدقتِ بشرى نحتاج الكثير من الهدوء والإنصات لفطرتنا والبصيرة بمعنى حياتنا حتى ننجو من تعاسة هذا الركض المستمر .. سلمتِ ودام قلمك فيّاضاً بالنور والجمال .
ردحذفما أعذب هذا التعليق، فطرتنا بصيرتنا فعلًا! ممتنة جدًا❤️
حذفرائعة
ردحذفشكرًا لك !
حذف