رمضان – تجديد الانتماء
صباح الخير، صباح الثامن والعشرون من رمضان، شهري العزيز على قلبي، تلك المعزّة التي دفعتني للكتابة الآن، وللتمسك بآخر الأيام واللحظات من هذا الشهر النقيّ للتدوين عنه قبل انفلات قدسية الزمان والشعور.
هذه
السنة شُغلت في رمضان أكثر من كل سنة بفعل ارتباطي الوظيفي، والذي استمر حتى أولى
ليالي العشر الأواخر، كانت أوقات الدوام لا تتخلل روتيني الرمضاني فقط، بل قلبي وتركيزي،
وهذا ما كدّر خاطري بعض الشيء، لكن فور تفرغي في أولى ليالي العشر الأواخر، أحسست
بذلك الفراغ الممتلئ، الفراغ من كل شيء من الشواغل، والامتلاء بكل شيء من هذا
الشهر وما يحمل من بركات وطمأنينة. وأقبلت على كل ما تم تأجيله من أعمال تخصني.
من
تلك الأعمال هي قراءة كتاب ديني من مكتبة والدي حفظه الله كما أفعل في كل سنة، وقد
اخترت في هذه المرّة كتاب قصير وجليل في نفس الوقت ليلائم ازدحامي. وهو كتاب
القضاء والقدر للدكتور عمر الأشقر. كما أنني مارست أعمال التدوين اليومي في مدوّنة
"حكي قلبي"، وحاولت قدر المستطاع تدارك ما يفوتني في يوميّات ونشرها في
وقت واحد، ساعدني ذلك على تأمّل وتوثيق مختلف الشعوريّات والمواقف. وأخيرًا،
ممارسة الأعمال الروتينيّة في رمضان كالطهي وزيارات الأحبة. ولا أنسى بالطبع
التوثيق الصوري والصوتي، فهنا ليلة شجيّة وهادئة في صلاة التراويح، وثّقت منها صلاة
الشفع والوتر ودعاء القنوت للشيخ فيصل الحليبي (هنــــا). وهنا تغطيات صوريّة
متواضعة لتفاصيلي الرمضانيّة (اضغط على الصورة لعرضها بحجم كبير):
من
أجمل الأعمال التي مارستها في هذا الشهر هي قضاء رمضان في القدس، البداية كانت قبل
سنوات، حين حلّ شهر رمضان آنذاك وأنا أتباع حسابات مقدسيّة، فأُعجبت بالنقل الإعلامي
والتغطيات لموائد الإفطار والصلاة وبث جولات حول المسجد الأقصى مفعمة بصدق الصوت
والصورة. وأصبحت لديّ كما العادة، وهي متابعة تغطيات مقدسيّة للأجواء الرمضانيّة،
والتي تحلّق بقلبي من موضعه إلى المسجد الأقصى الغالي.
بدون
أي مبالغة، ارتبطت شعوريًّا كثيرًا بالقدس في هذا الشهر، كان تعلّقي شديد، لدرجة
المكوث طويلًا على البثوث والتغطيات، كنت أعيش حياة مختلفة وإن كانت افتراضيّة
لكنها حقيقيّة. الفضل بعد الله يعود للمعتكفات والمرابطات والمجتهدات من
الفلسطينيّات، واللواتي يتواجدنَ في المسجد لنقل التفاصيل والأحداث.
هذه
التجربة علّمتني أن لا أجعل القدس طقسًا من الطقوس، بل حياة مرتبطة بحياتي، فلو
تخيلتَ بأنك تمتلك قضيّة مرفوعة في المحكمة، فمن البديهيّ أنّك سوف تقوم على
متابعتها والنظر في مجرياتها حتى تستوفي حقّك. هكذا القدس، فاحتلالها يطال المسجد
الأقصى (الذي هو أحد أهم حقوقنا) وبذلك هي قضيّة عقَديّة مرتبطة بنا كمسلمين، وارتباطنا
بها يتضمن معرفتنا بمجرياتها حتى نستوفي ذلك الحق المسلوب يومًا بإذن الله.
البث المباشر من حسابات شخصيّة يختلف تمامًا على بث القنوات، والفرق أنّك ترى في التغطيات الشخصيّة حياة عفويّة مليئة بالتفاصيل فضلًا عن الحقائق التي قد لا تظهر كاملة في أطر التلفاز. قضيتُ مع تلك البثوث الرائعة جماليّات وشعوريّات لا توصف. كحضور موائد الإفطار مع المرابطات المبعدات عن الأقصى كخديجة خويص وهنادي الحلواني عبر بثوث اليتيمة، وهنّ يقدّمنَ قدور المقلوبة الساخنة مزيّنة بالتكبيرات والدعوات. واعتدت حضور ابتهالات السّحَر من المسجد حتى تقام صلاة الفجر، وحضرت خروج المعتكفين صباحًا للساحات ولعبهم وتنفسهم لسويعات الإشراق، وكأن القدس منزل لهم، وهو كذلك. وحضرت هجوم الصهاينة المباغت في البثوث، وكيف ينقلب السلام والطمأنينة في لحظة واحدة إلى دخان كثيف وإصابات عنيفة واستشهاد. كل ذلك موثّق في حساب اليتيمة في انستقرام، وكذلك في قناتها في اليويتيوب، سبحان من أسرى بقلبي إلى هذه المقطاع أنصح بمشاهدتها: (قناة اليتيمة).
أتعجّب من القدس وشعب القدس، أتعجّب من بهيّة
المساكن وزهرة المدائن، كيف أراها مفعمة بالسلام وكأنّها لم تذق الحرب قط، وكيف
أراها مفعمة بالألم والجرح وكأنها لم تذق أمانًا وسلامًا قط. الكثير من الشعور
توغّل بداخلي، وحاولت استجماع ما أستطيع منه عبر التقاط مصوّر للشاشة علّه يخلّد
اللحظة القدسيّة في قلب فتاة مقدسيّة. هنا شيء من هذه الاتقاطات:
لحظة إفطار المبعدات عن المسجد الأقصى:
قبيل الفجر تواجد أشخاص يتأملون القمر من التلسكوب:
تنظيف المسجد الأقصى صباحًا بعد اقتحامات وتدنيس جيش الاحتلال:
ابتسامة غامرة ومائدة إفطار عامرة:
بث صلاة التراويح وعبور طفلة أمام الكاميرا تلوّح بعلامة النصر:
جولة لمقبرة باب الرحمة وظهور مستوطن:
الحمد لله على هذا الشهر، وعلى هذه المحطّة السنويّة التي تنقلنا من زحام الأرض إلى فسحة السماء، وتجدّد فينا الانتماء، لله، والوجهة الأولى والأخيرة نحو عبادته. أسأل الله أن يعيده علينا بالأمن والأمان، وزيادة الإيمان، في كل الأنحاء، وأن يتقبّلنا بواسع فضله، إنّه جواد كريم، وتقبل الله منكم يا أحبّتي وقرّائي الجميلين.
تعليقات
إرسال تعليق