إحدى عشر سنة تدوين

 














أن تكون مدوّن، أي أن تكون مخلص، مخلص للمعاني العابرة، وللتفاصيل التي لا يكترث بها كثير من الناس، مخلص للحظة، وللكلمة، وللنغمة، وللصورة، وللنكهة، وللضحكة، وللدمعة، ولكل ما عبر في الحياة، لكنه استقر في داخلك، ستكون مخلص له. هذه سنتي الحادية عشر مع التدوين، مع العيش مخلصة لحياتي، من خلال كلماتي.

خلال هذه السنة، لحظت تفرّع الرغبة التدوينيّة في داخلي، والتي أخذت بي من منزلي الذي أنثر فيه كلماتي، إلى منازل أخرى تطل على المعاني التي أود التدوين عنها لكن بإطلالة مختلفة، فقمت بإنشاء (قناة يوتيوب) أوثّق فيها تفاصيل منوّعة واعتياديّة، لكن بطريقتي الخاصّة، كما قمت بفتح (قناة صوتية) في ساوند كلاود لنفس الغرض. فلقد التمست فيّ حسًّا إضافي لتوثيق المرئيّات والصوتيّات، وكانت تلك الرغبة ملحّة بشكل كبير، لدرجة ارتباطها بالمعاني التي أود الكتابة عنها، وكأنها ستكتمل بها. على كل حال، لم يؤثر ذلك قط على حبّي وولائي وانتمائي للتدوين الكتابي، بل كان متفرّعًا منه، وغير منفصل عنه، فكانت تلك الصوتيّات والمرئيّات تابعة لمحتوى التدوين الكتابي هنا، فهو الأصل الذي غرست فيه المعاني، ونمت فيه سيقان الأماني، ولم أمانع استنبات تلك البراعم التوثيقيّة كإضافة شخصيّة ملت إليها ومالت إليّ.

بالنسبة لمنزلي هنا، فتحت شرفة إضافية لمصنّف جديد أسميته (أيام وليالي)، للتدوينات اليوميّة، فأنا من النمط الذي يحب رؤية الأحداث التي يعيشها من عين ثالثة، تضفي حياة على الحياة، فتوثق الذكريات تحت مظلّة التأمّلات، ودهشت من تلك التأملات التي صادفتني أثناء ممارسة هذا النمط من التدوين. بالمناسبة، أظن بأنني تحدثت كذلك في تدوينة سابقة عن شرفة (أقصوصة)، والتي لم أنشر فيها الكثير من القصص، بل احتفظت بتلك المنشورات القصصيّة خارج المدوّنة، فكتبتها في مستند مهمل طيلة السنتين الماضيتين. ما أود ذكره هو أنني وبعد مماطلة طويلة قررت العطف على تلك النصوص وتجميعها في ملف واحد وإرسالها إلى أديب قدير وملهم بالنسبة لي لكي يقرأها. أسعدني جدًّا بإطرائه وردة فعله، كانت كفيلة بشحن همّتي للنظر بجدّيّة في فكرة النشر، لكنني أتهرب دائمًا منها لسبب أجهله تقريبًا. لكن وأخيرًا، في الشهر الماضي قمت بإرسال تلك النصوص لأكثر من دار، وإلى هذه اللحظة أنتظر ردًّا منها، فبعد الرد وبعد توفيق الله قد أعزم على نشرها في كتيّب متواضع قد يكون مولودي الأوّل كما يشير الكثير من المؤلفين لمؤلفاتهم الأولى.

ختامًا أقول، من هنا أبدأ، ففي نهاية كل ذكرى تدوينيّة، أبدأ مسيرة تدوينيّة أخرى، فهذه المدوّنة لم تزل تحسن وفادتي، رغم الترميم وتغيير التصميم والتوسعة والمزيد من النوافذ والضجيج للانفتاح على العالم، إلا أنها تحسن وفادتي، فلم أزل أشعر فيها بالهدوء ، والحرية، والشيء الكثير من الانتماء، فهي المتنفس والهواء، بعيدًا عن الأقنعة والمجاملات والمنشورات التي تراعي المحتوى الشائع وتلهث وراء المشاهدات، هنا أستريح، هنا أكون حقيــقيّــة، دائمًا، ومنذ إحدى عشر سنة تدويــنيّــة!


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

المرأة من منظور "زمّليني"

حياة الركض لا تشبهني