يوميّات أسبوع خريفيّ



كان أسبوعًا لطيفًا، كلطافة الأجواء المتطلّعة للشتاء. أحب جدًّا أجواء هذه الأيام، أخرج دائمًا للتمتع بها، أقرأ ورد أو كتاب أو أهاتف صديقة أو أنصت إلى مفضلاتي الصوتية. وفي ذات الوقت، أحاول التأقلم مع ساعات الليل الطويل في هذا الموسم الخريفيّ. جلستُ طويلًا أمام مكتبتي لاختيار كتاب لهذا الموسم. أريده كتابًا طويلًا، لكن دون حكاية تُزحِم ذهني بالأسماء والأحداث، ودون فلسفة تتطلب تركيزي وحضور مفاهيمها في إدراكي، كذلك لا أفضل كتاب تطوير للذات لما يتطلبه من إقبال ووعي ذاتي. اخترت كتابًا طويلًا يلائم القراءة الطويلة التي قد ترخيني بعد زحام الالتزامات، وفي ذات الوقت ذو محتوى استطلاعي، لا يرتبط بتسلسل روائي أو ما شابه. الكتاب هو (تاريخ القراءة) لألبرتو مانغويل.

مستمتعة حاليًّا في قراءة الفصل الأوّل منه، إلى الآن لم يشدني مستوى الترجمة العربيّة، لكن المفاهيم سلسلة ومنسابة وجميلة، كونها تقف على القراءة، كفعل، وتفسير، وتبرير إنساني. أحببت هذا الاقتباس في الصفحة 18 من فصل (الصفحة الأخيرة):

إنه القارئ الذي يفسّر المعنى المقصود بالعلامات؛ إن القارئ هو الذي يتعرف في موضوع ما، أو مكان ما، أو حادث ما، على القابليّة المحتملة للقراءة. والقارئ أيضًا هو الشخص الذي يستطيع أن يعطي معاني لمنظومة من العلامات من أجل فكّ رموزها فيما بعد. جميعنا يقرأ نفسه والعالم المحيط بنا من أجل أن ندرك مَن نحن وأين نحن موجودون. إننا نقرأ كي نفهم، أو من أجل التوصل إلى الفهم. إننا لا نستطيع فعل أي أمر مغاير: القراءة مثل التنفس؛ إنها وظيفة حياتيّة أساسيّة.

هذا الفصل من الكتاب شكّل مفهوم مغاير لديّ عن القراءة، فقد وصف القراءة بأنها أوسع من أن تنحصر في قراءة الأسطر، قد نقرأ الجماليّات البصريّة، والسماوات، والطبيعة، والأصوات، والأجساد، والوجوه، وأكثر. تذكرت حينها كلمة صديقتي قبل أيام حين هاتفتني قائلة باللهجة البيضاء: انتي تنقرين، بسهولة تنقرين. تعني بأنني أصنف من الأشخاص الذين تُقرأ وجوههم بسهولة فيمكن الاستشفاف بمكنونهم الروحي. أؤمن بأن القراءة فعلًا وظيفة حياتيّة، فنحن نقرأ كل شيء، لنفهم كل شيء.

 

قميص شمسي:




قبل أيّام ذهبت للسوق، ولفتني هذا القميص الأصفر للوحة دوّار الشمس لفان جوخ. احترت بينه وبين قميص آخر يحتضن لوحة الصرخة الشهيرة على صدره. لكنني ملت لقميص دوّار الشمس ليكون قميصيَ الشمسي الخاص. تلفتني المقتنيات التي تحمل معنًى لتفضيلاتي أو لفتات لها، كهذا القميص، الذي يربطني بالفن، باللون في مساحة بيضاء، بالبهجة في رتابة خرقاء، تجعل من الحياة فيلم مكرّر. أحب مداعبة الروتين بالتجدد، باقتناء ثياب تفتّق فيّ معاني لطيفة، تجعل من ارتدائها عرسًا متواضع لا يُطربُ لهُ سواي.

في نفس جولة التسوّق، فقدتُ هاتفي، لا أعلم ما جدوى ذكر ذلك، لكنني أضحك كلما تذكرت ذلك الحدث. فعند ركن المحاسبة، تفقّدت هاتفي، فلم أجده في الحقيبة، نظرتُ مباشرة في عينيّ موظّفة المحاسبة، وهتفت لها برعب: جوّالي ضاع، وهي ترمقني بقلق وتساؤل عن علاقتها بسذاجتي وما اقترفت بحق هاتفي وإضاعته. أرشدتني مباشرة للعودة لآخر نقطة استخدمتهُ فيها، حاولت الاستذكار في زوبعة الشكوك، تذكّرت المكان، وهي زاوية في نفس المحل كنت أجري فيها مكالمة عبره، وأثناء سيري للتوجّه نحو المكان، كنت أكرّر وأتمتم بــ جوّالي ضاع، ومررت بموظّف أجنبي كان قد ساعدني في اقتناء مشترياتي بجلب سلّة التسوّق، وفور مصادفتي له، قلت له: My phone is lost!.  تلفّت قلقًا مباشرة ومتسائلًا كذلك عمّا يمكنه فعله ( ولم يعلم أنني شككت فيه ببلاهة مؤقته كسارق !!). من بعيد، لمحتُ هاتفي في نفس الزاوية التي كنت أتسوّق فيها، مُلقى بأمان على كومة من الثياب المصفوفة بترتيب. هرعت إليه، ضممته!

الموظف العامل ينظر إليّ بدهشة، ضحكت إليه (بعد تبخّر ظنوني السيئة) وأنا أتنهد بسعادة، ضحك مباشرة واطمأن، فجأة اقتربت منّي امرأة برفقة عائلتها تسألني بحرص: ها بشري لقيتيه؟ طمأنتها بأنني قد وجدته، لكنني استغربت مجيئها وعلاقتها بالموضوع، أدركت بعدها أن تمتمتي التي كنت أرددها أثناء هلعي وسيري في ممرات المحل لم تكن تمتمة للأسف، فالمتواجدون حولي قد سموعي استجداءاتي القلقة لهاتفي المفقود. ربما كنتُ مغيّبة عن الزمان والمكان بفعل القلق. عدت لموظفة المحاسبة وأنا أهتز أمامها بسعادة وهي تضحك إليّ. المضحك في الأمر هو ردة فعلي حقيقةً، خوفي، هلعي، ومناداتي لمن حولي بصوت مسموع، وسعادتي الواضحة، وكأنني عدت طفلة لفقدي لأعز أشيائي، رفيقي الدائم، ومن يكنّ في جعبته كلّ شيء يعنيني. هاتفي.


طبق شهيّ:


تذوّقت في ليلة ماضية طبقًا شهيًّا في أحد المطاعم، وهو طبق السيزلنج بالدجاج، كانت النكهة لذيذة وخفيفة، خاصّة مع مزجها بقطع الخضار وشرائح من معكرونة الفُتشيني. بعد يوم، كنت أفكّر في طبق لإعداد العشاء، وطرأ عليّ طبق السيزلنج. اخترت طهيه بطريقة تشبه النكهة التي تذوّقتها في المطعم، بالاستعانة بوصفة الطبق في موقع (أطيب طبخة)، وشيء من تغييراتي لملائمة ذائقتي.فضّلت توثيق وإدراج لحظات من إعداد الطبق في مقطع قصير في قناتي. مشاهدة ماتعة وأكلة هنيّة.

*صدور دجاج متبّلة بالزبادي والكاري والملح والبهارات المشكّلة.

*نقلبها على النّار حتى تنضج بشبه استواء.

*أضيف شرائح من الطماطم والفلف الأخضر وحلقات البصل للدجاج مع التقليب.

*أجهّز بطاطا مهروسة وأضيف إليها شيء من الزبدة والملح والحليب و مكعبات من الطماطم والفلفل.

*أسكب صوص البطابطا في قالب آخر، وأقوم بصف الدجاج بعد نضوجه عليه.

*أضيف على الطبق جبنة القشقوان المبشورة وأتركه على النار ليتمازج ويكون جاهز للأكل.

·   


الطبق كان شهي جدًا، ونكهة الخضار كانت حاضرة كما كنتُ أرغب، وبالتأكيد صوص البطاطا كان الأحب والألذ بالنسبة لي في هذا الطبق. عمومًا، أظن بأنني أحببت فكرة التدوين عن اليوميّات والأحداث الهامشيّة، والتي ستكون ممارسة محبّبة لي وإن قلّت في أيّام مزدحمة جدًا.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

المرأة من منظور "زمّليني"

حياة الركض لا تشبهني