أيّام وليالي | يوميّات تدوينيّة


منذ نهاية أغسطس وحتى بداية نوفمبر وأنا أشعر بأن الحياة تركض، تركض بسرعة، لا تمهلني لألتقط أنفاسي، وأقضم اللحظة، وأمضغ الوقت، وأستلذ بساعات اليوم والليلة. كانت أيّامًا ولياليَ متناسلة، تتوالد بسرعة، وعليّ رعايتها بكل ما أوتيت من اهتمام، مهملةً رعايتي. كان هذا الأمر متوقّعًا كوني أنحى منحًا جديدًا في حياتي المهنيّة. وحين أقول جديدًا، فأنا أعني أنّه جديد على خبرتي وتجاربي السابقة، لذا، استوعبت هذه الحقيقة، واعتزمت منذ البداية خوض هذه التجربة بهدف مراقبة ذاتي خلال سيرها في هذا المنعطف. وقد كان أكثر ما لحظته خلال الأشهر الماضية هو أنني أركض، والركض أتعبني، وجعلني غير مؤهلة للعيش براحة بال مع روتيني، بكامل ارتوائي ورويّتي!

بصراحة أرى بأنها مشكلة إن كان كل ما أمارسه من تجارب جديدة تحمل قدرًا من الالتزام سوف أعتبرها قيد لي ولحريّتي للعيش براحة وسلاسة. لذا تساءلت عن كيف لي أن أعيش التجربة بآدائها كما يتطلب الأمر ولا أهمل لياقتي الشخصيّة، في الطقوس المسليّة، الهوايات، العيش في اللحظة، بدل التفكير فيما كان وما سوف يأتي، وكأن العقل غدا مبرمجًا على إنهاء المهام والتفكير بالمستقبلي منها، الرتابة والعقليّة المهنيّة بدت تتغلغل في حياتي العاديّة. فغدت الأيام والليالي ماضيًا ومستقبل، واللحظة تنفرط مني، وابتعدتُ عنّي.

توثيق اليوميّات، الفكرة التي التمعت أمامي حين كنت أتأمّل ضعف لياقتي التدوينيّة بفعل ذلك الركض. انتشيت للفكرة، خاصّةً حين التمست فيها فرصة لأن تعينني على التأمّل فيما يحدث في حياتي من تفاصيل، وجماليّات، وأحداث، واتصال بالعالم، والتوقف عند تفاصيل صغيرة جدًا، وعابرة، بدل الانغماس في الإنتاجيّة. ومن هنا، ملت إلى فتح بوّابة جديدة في منزلي الفسيح، أسميتها (أيّام وليالي)، باعتبارها تصنيف يضم اليوميّات التدوينيّة. لن تكون قيدًا وإلزامًا للتدوين اليومي، بل ستكون متفاوتة، لا تغمسني في الكتابة ولا تنسيني إيّاها، المهم أن تجعلني لا أنسى حياتي، وكيف لي أن أعيشها، أعيشها بأكبر قدر من الشعور والإحساس، أستوقف اللحظة، أسترجع الكلمة، أستذكر الصورة، وأستلذ بنكهة اليوم.

هذه البوّابة ستكون إلهامًا واستلهام، سأكتب كي أقرأ يومي وليلتي، سأكتب كي أضاعف لياقتي، سأكتب لأمارس حرّيّتي، لأعيش، فالكل يركض ليوفّر العيش، لكن لا يعيش! سأكتب، سأكتب عن أشياء تافهة، عن أشياء عظيمة، عن أفكار يُلقها رسولٌ في قلبي  في خضم يوم مزدحم وتتناثر مع التسويف، أسرار أنوي البوح بها بعد حدثٍ ما، حوارٍ ما، شعورٍ ما، سأكتب عن تأمّلاتي، وصفاتي في الطهيّ، أصدقائي، تحدّياتي، كتبي، حكاياتي، كل شيء، عن أي شيء، في يومي أو ليلتي، فهذا أكثر ما سوف يمزجني بحياتي ليجعلني أكثر هدوء، كما اعتدت أن أكون دائمًا.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

المرأة من منظور "زمّليني"

حياة الركض لا تشبهني