تأمّلاتي ولحظاتي الرمضانيّة

 


يأتي رمضان في هذه السنة في ظروف مغايرة، لا تشابه الرمضان الأخير، والذي كنت أقضيه في جو من الروتين المتشارك والركود والسكينة، فالحجر المنزلي كان أشبه بمحطّة أوقفتني عن روتين معتاد لكنّها منحتني روتين مختلف، شعرت فيه بشيء من السكينة الغامرة وفرص التفكر والهدوء وممارسة التدوين اليومي للتأمّلات. لا أحبذ المقارنات، ولا أحب وضع الحاضر في كفّة الماضي، إلا بغرض إيجابي. لكنني أذكر تلك المقارنة كون رمضان هذا لم يزل يحمل معه ظروف الجائحة لكن بشيء من الانفتاح المقيّد، فضلًا عن استمراريّة الدراسة والاختبارات. وبالنسبة لي، يأتي هذا الشهر المحبب في ظروف ذات شواغل وعدم استقرار في المسكن مما جعلني أفقد شيء من ركوده وهدوء أيّامه وسكينة لياليه. بالإضافة إلى استشعارنا لمدى الفراغ الذي تركه رحيل جدتي وخالتي رحمهن الله حين قضينا هذا الشهر باجتماعاتنا العائليّة بالقرب من مقاعدهن الخالية، فكانت وطأة الفقد شديدة، والحنين أشد، ففي الحجر، كانت العزلة وسيلة لهجر المنازل التي تعيد لنا تلك المشاعر، لكن الآن عدنا، ولم تفتأ مقاعدهن دافئة في المكان، وقارسة في صدرونا.

صحيح أنني لم أحفل بقراءة منجَزة لكتابي الرمضاني "الرسل والرسالات" بفعل تلك الشواغل والمرحلة الانتقالية ولم أتمكن من التفرّغ كثيرًا لقضاء رمضان كما أحب، لكنني كنت أسرق السويعات للجلوس في عزلة قصيرة تهبني طمأنينتي، واختيار مسجد واحد فقط للصلاة فيه بدل التنقل بين المساجد وتجربة الاستماع لتلاوات متعدّدة، وأخيرًا تقبّل الظروف ومحاولة صنع روتين أخف ضغطًا وإلزامًا لتجنّب الشعور بالتحسّر والتأنيب. فالظروف تختلف من سنة إلى سنة، ومقدار المسؤوليّة عليك سوف يتغيّر ضمنيًّا معها، وسترى بأن روتينك الهادئ قد يتعرّض للاختلال ولم تعد ذلك الشخص الذي يتسنّى له ترك كل شيء خلف ظهره ليمارس ما يحب، متى ما أحب!

عمومًا، رمضان هو وقتي المفضل و الموسم الحبيب، عشت أيّامه ولياليه الماضية باستشعار الروحانيّات حتى مع الصلاة بالكمام والتباعد بسجّادتي الخاصّة، وبطهي أطباق لذيذة تبدأ بابتسامة أفراد أسرتي وتنتهي بقرقعة أوانيها الفارغة، مارست التوثيق اليومي في دفتري الخاص بدل النشر الإلكتروني، فكانت أقرب للبوح الشخصي وليس للتأملات القابلة للنشر. أما ما هو قابل للنشر، فقد راودتني فكرة مغايرة ولطيفة، وهي توثيق لحظات رمضانيّة صوتيًّا. لحظات عابرة لكنها تحمل شعور بالخفّة والذكرى المرتبطة بهذا الموسم الجميل والتي ملت إلى فكرة تخليدها، كطريقي إلى المسجد وصوت الطهي والتلفاز والمشاوير والزيارات العائليّة، وأخيرًا تجربة الذهاب لمركز تطعيم اللقاح. بعد التوثيق لعدة أيام، تشكّلت لديّ مقاطع صوتيّة جمعتها في مقطع واحد، وبدل من رفعها كملف صوتي في المدوّنة، فضلت القيام بخطوة جديدة وهي فتح قناة في ساوند كلاود بنفس اسم مدوّنتي، لنشر محتويات صوتيّة. وقمت برفع مقطع رحلات رمضانيّة على قناتي الصوتيّة، مستفتحة به هذه المساحة الجديدة. تسعدني مشاركة (قناتي) في حائط منزلي الأيمن تحت وسم شبابيك مطلّة. كما يسعدني استماعكم للحظاتي الرمضانيّة، للاستماع للمقطع (من هنــــا). ولم أنسَ بالتأكيد التوثيق الصوري، فهنا شيء من صوري البسيطة ليوميّاتي في هذا الشهر. وأخيرًا، أختم هذه التدوينة بشكر لله، شكر عميق، لأنه وفي كل سنة، يجود علينا بالبلاغ لهذا الموسم، وبنعمة السكينة التي تفوح من أبواب الجنّة المشرّعة، فتشحننا للشهور القادمة بشيء من اليقين ولذّة القرب الإلهي، والخفّة الروحيّة تجاه الطاعات، والكثير من الرحمات، فاللهم تقبّل منّا أجمعين، وزدنا من فضلك.

(اضغط على الصورة لعرضها بحجمها الطبيعي)

 



 


    


تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

المرأة من منظور "زمّليني"

ثمن التجربة