أحلى كلمة ..



اليوم شاهدت مقطعًا قصيرًا لسؤال الغرباء عن أجمل شيء قد قيل لهم في حياتهم ولم ينسوه، استوقفتني تلك الجمل المتفاوتة بامتزاجها بطريقة تعبير أكثر تفاوتًا من مختلف الفئات والأعمار لتصنع تأثيرًا عميقًا بي. لقد حرّك هذا المقطع وتر أثر الكلمة، أحلى كلمة. 

طريقة التعبير المتفاوتة ألهمتني، وجعلتني أتفكّر في كيفية تصوّر هؤلاء الأشخاص لأثر أحلى كلمة قيلت لهم. تأملت كيف أن بعضهم لم يجب بكلمة بل أجاب بشخص، كالأب الذي أجاب بـ: بنتي، فحجم تأثير كلماتها الحلوة عليه قد أُختُزِل فيها ككل، وفي قربها، وفي حنانها. أدركت أن أثر الكلمات الحُلوة أكثر من عدد أحرفها، وأبقى من زمن لحظات الاعتراف بها، وأوفى من امتداد العلاقات المنطوية عليها أو زوالها. أثر الكلمة كما أجاب أحدهم، بأنه ظل يتذكرها رغم رحيل قائلها، ومنهم من لم ينطق بها لكن لمعان عينيه كان كافيًا، ومنهم تلك السيّدة التي طبع الزمان بصمته على تجاعيدها لكنها لم تزل تذكر كلمات من حولها عن ملامح جمالها. ومنهم، بل أغلبهم من أجاب بكلمة أحبّك، والدعوات الصادقة.


بعد إنهائي للمقطع وبشكل تلقائي أدرت السؤال لنفسي وأخذت أتأمّل أجمل الكلمات العالقة في ذاكرتي. فلم أتذكّر الكلمات فحسب، بل تذكّرت نبض الشعور الذي تلقّيتها به حينها، لأتأكد يقينًا من عمق أثر الكلمات الطيبة. أتذكر صدى تلك الكلمات جيّدًا. أمّي ذات مساء وهي تحضنني: " أنت خبز يديني"، أبي حين دخل غرفتي ذات ليلة وتفحّص ملامحي: " عندك هموم؟". زميلة الثانوية حين أدارت مقعدها نحوي مبتسمة وقالت: " ملامحك بشوشة، أنتِ مملوحة"، صديقتي المقرّبة حين أهدتني هديّة خطّت عليها: "يا عافية قلبي"، مسؤولتي في مشروع: " شفتي مكتبي يا بشرى وكل هذي الملفات الي فيه؟ تراها مليانه باسمك وبإنجازاتك". مسؤولي في العمل، والذي لم أتوقّع ردّه بعد سوء فهم يسير في التنفيذ: " أنا آسف".

كم هو عجيبٌ أمر تلك الكلمات الطّيبة، كيف لها أن تعمّر بيتًا خرب، وتعيد المياه في الأرض اليابسة، وتخط ملامح الفرح في الأوجه البائسة، بل قد تكون الأجنحة لتحليق شخص نحو أمنيات كبيرة وإنجازات عظيمة وحياة مليئة بالعطاء. تذكّرت حديث رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام حين قال: "والكلمة الطيبة صدقة". تساءلتُ عن التفسير وراء تخصيص الكلمة الطيبة بفعل الصدقة، لمَ لم توصف بحسنة أو أجر أو سعادة. وقد ملتُ إلى وصف الشيخ بن عثيمين رحمه الله حين قال: "الصدقة لا تختص بالمال، بل كل ما يقرب إلى الله فهو صدقة بالمعنى العام؛ لأن فعله يدل على صدق صاحبه في طلب رضوان الله عز وجل". نعم، إنه الصدق، فإهداء كلمة طيبة دون ترقّب عطيّة، أو مردودات مادّية، وإطلاقها من القلب إلى القلب بنيّة طيبة، من أجمل صور الصدق. فارتأيت بأن دوام أثر الكلمة الطيبة كأثر الصدقة الجارية، التي تنسى تفاصيل إخراجها لكنها تذكر لك ذلك الجميل وتبقيه معمورًا مزهرا. ما أحوجنا لأن نطلق كلماتنا الطيبة للآخرين، وما أغنانا بكلماتهم الطيبة التي لم ننساها ولن ننساها.

تعليقات

  1. أحب وصفك الرقيق البسيط .. وكلماتك الصادقة دوما هنا

    ردحذف
  2. ما أجمل التدوينة يا بشرى ، سلمتِ لمشاركتنا كلماتك اللطيفة ❣️

    ردحذف
    الردود
    1. الجمال في تواجدك وإطرائك، نوّرتي عزيزتي 3>

      حذف
  3. شكرًا على التدوينة🌸
    دمتِ بطيب💗

    ردحذف
    الردود
    1. نوّار يا نوّار، لطفك حاضر دائمًا وغيثك غمرني..
      الشكر لك 3>

      حذف
  4. بلا شك أن أجمل كلمة ذُكرت في المقطع ولامست قلبي هي دعوة الأم "الله يرضى عليك" فليس بعد رضا الله إلا الجنة.
    أيضاً التعبير عن الشكر والإمتنان مما يجلب السعادة. كلمة "شكراً" فقط تكفي لأن تسعد الآخرين!
    شكراً بشرى على مشاركة الفيديو وعلى وصفك ومشاعرك اللطيفة.

    ردحذف
    الردود
    1. "فليس بعد رضا الله إلا الجنة"، صدقت..
      الشكر لكلماتك ولتواجدك النيّر فيصل ~

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

المرأة من منظور "زمّليني"

ثمن التجربة