بين ميعادٍ وميلاد..



في هذه الليلة التي تصادف السادس عشر من يونيو أستطيع القول بأنه قد انقضى عام إضافي من عمري، أو إن صح التعبير، قد أضيف عام إلى عمري، لكنني وفي الحقيقة أميل إلى المعنى الأوّل. وذلك لأنني لا أنظر إلى ذكرى ميلادي من خلال ضوء شمعة أو كعكة مزينة برقم العمر، بل أنظر إليها من خلال ضوء ذاتي وأمنياتي، ومسار خطواتي، لذا أمتهن في هذه الذكرى النظر إلى الخلف قبل الأمام. قبل قليل، توجهت لخزانتي والتقطت أحد أجندتي والذي قد دوّنت فيه تفاصيل وتجارب الأشهر التي مضت منذ يونيو الماضي. أخذت في تصفّحه حتى أسترجع تفاصيل أيّامي ولكي أربط نقاط خطواتي ببعضها لإلقاء نظرة عامّة على منحى المسار الذي سلكته وأين أقف حياله في هذه الليلة.

كانت سنة حافلة. بالمناسبة، حين أقول حافلة لا يعني ذلك أنّها كانت مليئة بالنجاحات فحسب، كانت حافلة بتحقق بعض الأمنيات ولكنها كذلك كانت حافلة بالوثبات وشيء من الخيبات والمحاولات. لكنني لا أنوي سردها هنا، فليس موضعها أن تُشارك علانيّة، لكنني أقول بأنّ في وسع سنة واحدة أن تعلمني الكثير، أن تعلمني كيف أكون، وتترك لي الخيار للسنة القادمة بأن أكون. سنة واحدة عرفت فيها نفسي، وماذا أريد من نفسي ومن الآخرين، ومتى أشتعل ابتهاجًا، ومتى أنطفئ بالخيبة. فالتجارب في هذه السنة كانت عميقة، أعمق مما تصوّرت أو ظننت بأنها مجرد أعمال أمارسها أو مهام أنجزها، كانت التجارب أشبه بدرس عميق غاص في أعماقي واستخرج لي شعوري وشغفي ووجهتي، شيءٌ منها لم يُستخرج طواعية، بل بشيء من الخدوش الحادّة والألم، وشيء منها بالمصارحة القاسية والوعي، وشيء منها بالألطاف والقناعة. لكنني كلما أتذكّر الدرس، أتجاهل الألم، فالألم سيلتئم، والدرس سيدوم، وحسنات الأيّام سيذهبن سيئاتها والأمر كله خير بالنسبة لقلب يؤمن بالخيرية في كل شيء. فقد بدأت أؤمن أكثر بالحكمة الإلهية المبطنة في كل تجربة، وفي كل شخص أتعرف عليه، وباللطف في المقادير، ونور الله المبسوط على كل السبيل، فالله نور السماوات والأرض، ورجائي بأن نوره يغمر جرميَ الصغير فيهن. فمهما كبرت، وارتأيت بأنّني غدوت أقوى، كلما ازدادت حاجتي لله، فهذه الحياة جهاد مستمر، جهاد بين جنبيّ، وبين جنبات العالم.

الحمد يغمرني، والرجاء يدفعني نحو عتبات لم تُطأ بعد، والشكر على ما مضى يُقنعني بما مُنِحتُهُ أو ما استطعتُ حيازته في الأيّام المنصرمة ويُرغبني بالمزيد. وشعوري بالحب الصادق ينهمر طواعية لأرسله من هنا لكل من عرفتهم، لكل من سكنوا فيّ، أو عبروا بي، أو رحلوا أو استقرّوا، لكل من كانوا جزءًا من أيامي، ورحلتي، وعطائي، أحبكم، وسأظل. فمرافقتكم جزء منّي ومما أنا عليه اليوم، ولطهركم نصيب في سقيا بساتين روحي. فمحبتي هي لكل من وهبني قطرة أو غيثًا غزير. أمّا دموعي وضحكاتي وأنسي ووحشتي، ولكل خطوة ظننتها وثوب فكانت رفعة لي، ولكل سبيل ظننته طريقي فصادفني بلافتة الخطر، لكل تلك التفاصيل الخاصة بي أقول: كم كنتِ أنا، بشكل أو بآخر، ولو لم أجرّبك، لما عرفتُني. وفي كل مرّة ستكونين حكاية تكمّلني، مع إدراكي بأنني لن أصل إلى الكمال، ولكنني أتشكّل في كل مرة بالاكتمال بين كل ميعاد وميلاد.



تعليقات

  1. كل عام وانت بخير، بالمناسبة كلامتك دافئة، وشعورك بالامتنان أمر جميل جداً، نادراً ما نعترف به.

    ردحذف
    الردود
    1. وأنت بخير وعافية دانا، لا أملك تجاه كلماتك سوا الامتنان كذلك ^^ شكرًا عزيزتي..

      حذف
  2. كل عام وأنتِ بخير
    ما شاء الله ما أجملها من تدوينة :)
    أعوامًا مباركة حافلة بالخير والبركة☘

    ردحذف
    الردود
    1. وأنت بأتم صحة وخير، هذا بعضٌ من جمالك عزيزتي 3>

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

المرأة من منظور "زمّليني"

ثمن التجربة