كم نتشابه بقدر اختلافنا


قبل يوم شاهدت لقاء لطيف للملهمة سارة بقنة بإشراف الأستاذ المبدع محمد المطيري، كنت أستمع للقاء وأنا أقوم ببعض الأعمال، لكنني كنت في أشد انتباهي لكلامها عن تجربتها في اكتشاف نفسها. سارة كانت في منتهى الحماسة والعفوية والصراحة والجرأة حين باحت عن تجربتها مع الدراسة والتخصص وتغيير الوظيفة والدخول في دوّامة التيه والانطفاء وكيف وصلت لنقطة الضوء حتى تتوهج مجدّدًا. والأهم في حديثها هو معرفتها لما يلائم روحها بعدما فهمت نفسها، وهو أن تعمل في مجال متجدد ولا يحيط به الملل والروتين في أفكاره وممارساته، فكانت أمنيتها الضائعة في كنز مهنة صناعة المحتوى. لا أريد أن أهضم محتوى اللقاء لكنني أعجبت بطريقتها في إيصال مدى شغفها الواسع، وكمية أمنياتها في نشر الوعي، وعدم خوفها من مشاركة تجاربها وإخفاقاتها ونجاحاتها في سبيل جذب أكبر قدر ممن يودون التحليق خارج أطر ذواتهم الضائعة.

في هذا اللقاء صادفت أفكار كثيرة من أفكار سارة التي أتفق معها بل وبعضها عايشتها تمامًا وتمثلني في الواقع، أدركت حينها كم أننا نتشابه كبشر بقدر اختلافنا في الأعمار والشخصيات والتجارب. نحن نتشابه في أحاسيسنا تجاه الحياة، ولكننا نترجم تلك الأحاسيس بطرق مختلفة، بفعل اختلاف تكوينات أجسادنا وسيكولوجيتنا. هذا التشابه له الفضل في خلق رابطة إنسانية بيننا كمجتمع يسعى للسلام. فكل لقاء أو عمل أدبي أو سيرة ذاتية تم تنفيذها بصدق من قِبَل مبتكرها، فهي تحمل في طياتها رسالة إنسانيّة وتجارب ثريّة من شأنها أن تمهد لمن يتلقاها سبيلًا مختصر نحو الحياة واكتشاف جماليات الذات، وكم أمتن لمثل هذه الأعمال التي تساهم في جعلنا أشخاص أفضل.

تجدون اللقاء في قناة اليوتيوب للأستاذ محمد المطيري (أنصح بمشاهدته):


ليس كل ما نعرفه عنّا قد يكون صحيحًا، قد نحتاج إلى أن نسمع من غيرنا كي نتعرف علينا. وأن نقرأ في تجارب الآخرين كي نقوّم تجاربنا، أو على الأقل أن نعرف ما عرفوا والذي قد يعرّفنا على أنفسنا مستقبلًا. فحقيقة تشابهنا ومشاركة هذا التشابه كفيل بجعلنا نتجنب الكثير من الألم أو المكوث لوقت أطول فيه أو تضييق دائرة البحث والخوف من المبادرة. بالمناسبة، الجرأة في المبادرة لمشاركة الآخرين تجاربنا الخاصة تُعد شجاعة، مع الموازنة بالتأكيد على حفظ أطرنا الشخصية أو الحسّاسة. أرى أن هذا النوع من المبادرة عطاء إنساني بحد ذاته وعمل خيري يجعل من الحياة كمركب جماعي، كلما انحنى بأحدنا قوّمه الآخر من زاويته. ولا أعني هنا أن ننتهج بالضبط ما انتهجه الآخرون في تجاربهم التي تشابه تجاربنا، بل أن نرى رحلتهم الكاملة ونقطة الوصول والنتائج، ونأخذ من كل تلك الخطوات ما يلائم تجربتنا الخاصة سواء كنا متوقفين في الخطوة الأولى أو في منتصف الرحلة أو عند نقطة الوصول الخاطئة، وإن كانت نقطة وصولنا صحيحة فيكفينا أن نتأكد من ذلك، وأننا على الطريق الصحيح.



تعليقات

  1. ماعبرتي عنه بالفقرة الأخيرة فى تدوينتكِ ذكرني بمقولة لها معاني قريبة من كلامكِ لعالم النفس كارل يونغ تقول"كل ما يثير غضبنا تجاه الآخرين يقودنا إلى فهم أنفسنا.".

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المرأة من منظور "زمّليني"

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

مواليد التسعينات | بين القناعات والتحديات