يوميات موسم العزلة - رمضان




مع بداية حلول شهر رمضان تساءلت بداخلي كيف سيكون رمضان في هذه السنة مع ما نعيشه اليوم من عزلة عن العالم الخارجي، وكيف ستكون تفاصيله من غير صلاة التراويح في المسجد ومن دون زيارات عائلية واجتماع حول الأطباق اللذيذة في بيت جدّتي لوالدتي، والتي فقدناها قبل أكثر من ثلاثة أشهر، رحم الله تلك الروح الدافئة. قطع تلك التساؤلات طلب أمي لي ولأخواتي بوضع الحنّاء في كفوفنا ابتهاجًا بقدوم الشهر، كما كانت تفعل جدتي رحمها الله في كل سنة، كانت الفكرة مبهجة بالنسبة لي، فلم أعتد وضع الحناء في باطن الكف منذ سنوات الطفولة، ولكنني في هذه المرة كنت في غاية الحماسة، وبعد أن فعلت ذلك، كان الشعور جميلاً وجديدًا مما دفعني للإحساس فعلاً بكسر رتابة الشعور واستقبال الشهر بشيء من الفرح اللطيف، كما أن منظر كفوفنا المزيّنة بالحنّاء ذكرني حقًا بكفوف جدتي، غدت ذكراها مطبوعة في كفوفنا جميعًا، وكأنّها قد صافحتنا مصافحة متفرّدة للتهنئة بالشهر في حضرة غيابها.

وهكذا بدأ الشهر، في الحقيقة بدأ الشهر بانسيابيّة لم أتوقّعها ولله الحمد على البلاغ، وكأن الأمر يبدو طبيعيًّا، دون أن أشعر بفقد عميق للتفاصيل التي اعتدتها ولم تعد متاحة الآن. ربما كان ذلك بفعل طبيعة رمضان كموسم عزلة بالنسبة لي، فقد كنت أفضل دائمًا التقليل من الزيارات في هذا الموسم والصلاة في مسجد حيّنا القريب، دون الإسراف في التنقل بين المساجد وتغيير القرّاء. أما الآن، ومع صلاة الجماعة الأسريّة، كان ذلك مختلفًا وجميلًا في نفس الوقت، فقد شعرت بأن المحك الفعلي في أثر صلاة التراويح في نفوسنا هو في اتصالنا مع الآيات والقرآن أكثر من موضع الصلاة سواء أكان ذلك في المنزل أو في المسجد أو مهما كانت الظروف. فهذه الفترة أعظم اختبار لعمق إيمانيّاتنا، وما الذي قد يؤثر فيها، أهي دواخل عميقة في الروح، أم مجرد تفاصيل خارجيّة قد تغيب تلك الإيمنيّات بغيابها!

عن نفسي أحب هذه الفترة من السنة، وأراها موسم عزلة ومحطة لتجديد إيمانيات النفس التي قد تبلى طوال العام. وذلك بفضل اختصاص هذه الفترة بنسائم طمأنينة عجيبة تعم كل صدر مقبل على هذا الشهر، والذي يدفع صاحبه لاغتنام هبوب تلك النسائم بقراءة أو تلقي ما ينفع، كونه سيحقق وقع وأثر أعمق في النفس من أي فترة أخرى في غير رمضان. بهذه المناسبة، اخترت كتاب دراسات قرآنية من مكتبة والدي كعادتي في كل شهر، ولم أقاوم حقيقة وضع خطوط بارزة تحت سطوره الذهبيّة، بعد أخذ الإذن من والدي العزيز الصبور على خربشاتي في كتبه. كما عزمت على توثيق وقفاتي الإيمانيّة أو تفاصيلي الشخصيّة بشكل يومي خلال هذه الفترة الملهمة بالنسبة لي، والتي تجدونها في نصوص قصيرة جدًا لكل يوم في مدونتي البعيدة عن الصخب "حكــي قلبــي". الجميل في هذه الفترة كذلك هو صدور قناة ذكريات التابعة لوزارة الإعلام السعودي، أحببت جدًا عرض برامجها كما كانت تُعرض بالضبط في رمضان في فترة التسعينيّات الغالية عليّ، بت أحضر البرامج بشغف وكأنّها تعرض للتّو، فأعادت إلينا ذكريات أسعدتنا وأحاطتنا بأنس تلك الأيّام الخالية، كبرنامج بابا فرحان عصرًا وسباق المشاهدين بعد منتصف الليل. هنا شيء من التوثيقات ليومياتي الرمضانيّة (اضغط على الصورة لمشاهدتها بحجمها الطبيعي):


 

 

 


تعليقات

  1. فعلا اننا اشتقنا للاوقات المعتادة في رمضان، لكن الاثر الجيد لهذه العزلة، اننا استطعنا ان نصلي التراويح مع ابي واخوتي جماعة ولله الحمد.
    تدوينة لطيفة ^_^

    ردحذف
    الردود
    1. تقبل الله منكم وأدام نعمته عليكم.
      وجودك ألطف، شكرًا =)

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

المرأة من منظور "زمّليني"

ثمن التجربة