لا أريد





لا أريد أن أرغب اضطراراً بما لا أريد، أنا لا أرغب بشيء من المزيد، ولا أريد أن أكون لما أريد، بل أن يكون ما أريده لي، أن أنتمي إليه لا أن أرتمي عليه، أن يمتزج بي امتزاج الفرع بالأصل، والتيه بالمأوى، والخوف بالطمأنينة التامة، أن يكون بقدر حاجتي، لا غامراً لي إلى حد الغرق، أو شحيحًا بي إلى آخر رمق، فأنا لا أريد الأكثر، بل أريد الأوفر الذي تعلوه البرَكَة، وتنبض منه العطايا في موسم القبض، وتطل منه الشموس في منتصف الليل. أنا لا أريد ما يريده الآخرون، بل ما أريده دونهم، دون مقاييسهم، وتمتماتهم، وشؤمهم، أو حتى فألهم. لا أريد أن أُعطى لكي أكتفي، بل لكي أحيا وأنتشي في كل مرة أكون في حاجة إلى القليل، فأجد العطاء الجزيل الذي يحيلني إلى سجادة عريضة لا تسع ينابيع شكري. فالاكتفاء بالنسبة لي شيءُ ثقيل، يحيل الروح إلى الركون، وإلى السعي إلى اللا شيء، وإلى البحث عن المعنى في أن تكون مكتفياً وفارغاُ في آن، حينها يجدّ البحث عن الاطمئنان بالرغم من حيازة كل شيء! أنا لا أريد أيّ شيء، أريد شيئاً بقدر الأشياء، ما يعْدل في مكيالي ما لا يُكال، ما يصعب أن يُحكى أو يُقال، أن يكونَ فوق المتوقّع، وأقرب إلى المستحيل، لكنّه يجيئني هرولة، كأمرٍ عاديّ، قد حسمته الأقدار بطريقة خاصة، تشبه بُغيتي، وصلوات سجادتي. لا أريد عطاءً بلا اصطفاء، أو أشياءً قد خلت من الأشياء، لا أريد عطيّةً بلا معنى، أو كنزاً بلا عناء. أنا لا أريد، وهذا ما أريد.



تعليقات

  1. كأن هذه الكلمات قبل أن تكتب غُمِست بماء مطر متسرب عن شجرة ريحَان حتى تشربت كل مسامة فيها.

    ردحذف
  2. غير معرف

    تعليقك هو المطر ذاته، شكراً لغيثك 3>

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

المرأة من منظور "زمّليني"

ثمن التجربة