الإشباع والعاطفة المنطقية





استمعت مؤخراً لحوار نقاشي حول العاطفة المتأججة في فترة المراهقة، وكيف لها أن تقود الشخص إلى متاهات من التخبط بفعل شعوره بالوحدة الممزوجة بالاستقلالية والاندفاعية في تلك الفترة الانتقالية من العمر، والتي تزيد حدتها إن كان الشخص معرضاً لعدم الإشباع العاطفي والاهتمام المتزن من قبل أسرته وأقربائه. الجدير بالذكر هو أن تلك الحالة الفسيولوجية قد تتواجد لدى الشخص في غير تلك الفترة العمرية، وذلك بفعل تحقق العوامل الآنفة، لكنها تختلف عن المراهقة باختلاف المبررات والوسائل المتخذة لإشباع تلك العاطفة، والأدهى والأمر أن تلك الفسيولوجية في العمر المتقدم قد تتخذ سلوك الثقة والشعور بالنضج (بحكم العمر المتقدم) لتحقيق تلك الرغبات العاطفية (باختلاف صورها النفسية أو الجسدية) فتشكل في نهاية المطاف وعياً زائفاً لدى الفرد بأحقيته بالإشباع بتلك الوسائل التي يؤمن بها وينتهجها.

بمعنى آخر وأكثر وضوحاً، إن الفرد الذي يحوي عاطفةً غير مشبعة (سواء كان واعياً بتلك الحاجة ومعترفاً بها في داخله أو كان غير مدرك لها) سوف يبدأ بالبحث الدؤوب لإشباعها، ومن أحد صور ذلك الإشباع العاطفي هو الإشباع من خلال العلاقات العاطفية والذي يقوم به الفرد بشكل تلقائي (بوعي أو بدون وعي) من خلال ميله إلى الجانب العاطفي فيما حوله من علاقات. ولا أعني بذلك الإشباع اتخاذ قرار واضح حيال العلاقة وتنفيذه، بل أعني الإشباع بتلك الخطوات الصغيرة التي لا يشعر الفرد من خلالها أنه في صدد بناء قرارات حسّاسة أو ضارة. فتكون تلك الخطوات من خلال محاولات متدرجة ومتخبطة تقفز بالفرد من وسيلة لأخرى سعياً لإيجاد ذلك الإشباع بأكثر من طريقة لا تتميز عن بعضها سوى في درجة الهشاشة واللامنطقية.

قد تكون أقصر رسالة حيال تلك الحالة الفسيولوجية التي تنتاب الفرد هي: "لا تشبع نقصاً بنقص"! فما يجعلك ممتلئاً عاطفيًّا عن طريق وسيلة تُنقِص من إنسانيتك أو حبك لذاتك أو احترامك لدينك ومبادئك، فإنها ستؤول بك إلى الحاجة الماسّة لإشباع آخر في كل الجوانب السابقة، وهذا يعني أن الطين قد زاد بلّة. وأرى أن عزاء الفرد الوحيد تجاه تلك المسألة هي إدراك موضعه الحالي منها، فالفرد الذي يجد نفسه في مطلع الوعي بها (وعيه بوجود حاجة لإشباع عاطفته)، كان من الأسلم له اتخاذ سبل الإشباع الأكثر أماناً، والتي تبقيه في سلام داخلي عميق يتحقق من خلال الإشباع الديني والذاتي والإشباع العاطفي بالعلاقات الآمنة الدائمة والإشباع العملي والمعرفي وإشباع الشغف بشكل عام. أما إن كان الفرد في مرحلة متقدمة من الخطوات المتخبطة، فالتراجع للخلف سوف يكفل له النجاة من السعي قدماً في خارطة متشعبة بالتيه والحيرة، وتدارك الأمر بذلك التراجع سوف ينقذه من فقدان شغفه العاطفي (بسبب إهداره في الوضع الخاطئ والتجربة الخاطئة) حين يكون بحاجة لذلك المخزون العاطفي مع الشخص الصحيح في الوضع الصحيح في المستقبل القريب أو البعيد، فيجد نفسه عاجزاً عن تقديم أو تلقي ما يستحق من عاطفة. علينا أن نؤمن بوجود المقاومة في داخلنا، والتي يمكنها تغيير مسارات خياراتنا وإدراكنا بل وحتى عاطفتنا، فإن تلك العاطفة سوف تخضع للمنطق في نهاية المطاف، فلا يمكن طمسها كعاطفة، بل بإمكاننا جعلها عاطفة منطقية، نعرف بها ماذا نريد منها ومع من وكيف نرعى رغباتها، بدل أن تكون هي الآمر الناهي في شتى مساراتنا.


تعليقات

  1. رائع عزيزتي
    الاحتياج العاطفي فعلا يبلغ ذروته في المراهقه ولعل احد اهم الوسائل لاشباعها يقع على الوالدين اولا كما انه الاحتياج العاطفي يزداد في الفراغ فافضل وسيله هو استغلال الفراغ بكل ما هو جميل

    ردحذف
  2. فاطمة أحمد الشهري

    صدقتي، شكراً لإضافتك القيّمة وتواجدك اللطيف 3>

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

المرأة من منظور "زمّليني"

حياة الركض لا تشبهني