رضا المرحلة الراهنة




يلازمنا شعور الركض المستمر لتخطي مرحلة ما وبلوغ أخرى، وكأننا جُبلنا على هذا التسارع سعياً لشيء ما يُدعى الاستقرار أو الرضا أو القبول وبمعنى أدق يُدعى التوقف. من المؤسف أننا نسعى جاهدين لكي نتوقف، أو لنستريح، وكأن الوجهة التي نسعى إليها في الحياة قد وُجِدت لكي نبلغها فنغدو جماداً حينها باسم الوصول. وبفعل امتهان ذلك التسارع المستمر يغيب عن أذهاننا معنى الاستقرار الفعليّ أو لنسمّيه الرضا.

إن الرضا بما توصلنا إليه في مرحلة ما يُجنى بتقدير ما بذلنا قبلها، فحين نتأمل المرحلة الراهنة التي نعايشها اليوم أيًّا كانت تلك المرحلة وأيًّا كان مستوى فعاليّتها المرجوّة، فإنها تسفر عن رحلة سابقة من التفكير والجهد والسعي والقرارات بما توافر من إمكانيّتنا وإدراكنا المحدود في ذلك الوقت الماضي. فليس من حق هذه المرحلة علينا أن تُنسَف وأن ندهس عليها متسارعين بعدم اعتبارها مرحلة راهنة بل رصيفاً للعبور!

الرضا بما وصلنا إليه اليوم في مرحلتنا الراهنة شعور ثمين، لا يعني الرغبة في التوقف أو عدم السعي لما هو آت، بل يعني الامتزاج بين تقدير ذواتنا وما عاصرناه فيها لكي نتواجد اليوم فيما نحن فيه، وبين الطموح لما هو أفضل باسم التحسين المستمر وتوسيع خطة الأهداف والمبتغيات، دون الإجحاف بحقنا وبحق ذواتنا بذلك اللوم المستمر والجلد القاسي بأننا لم نصل بعد للمستقبل المطلوب، ودون الإفراط في الركون بأننا نقف حالياً عند أقصى ما يمكننا الوصول إليه. وبالمناسبة، حديث الطنطاوي رحمه الله عن السعي للمستقبل جدير بالذكر حين قال:
ها أنا اليوم اكتب هذا المقال وعمري 77 عاماً، ولازلت انتظر هذا المستقبل !! المستقبل ما هو إلا خرقة حمراء وضعت على رأس ثور، يلحق بها ولن يصلها لأن المستقبل إذا وصلت إليه أصبح حاضراً والحاضر يصبح ماضياً ثم تستقبل مستقبلاً جديداً..
فالرضا يعني أن نتقبل ما نمارسه اليوم، وما نستيقظ لأجله، وما يدور عليه مدار اليوم من ومهام وأعمال بل وحتى أفكار وقرارات. كل ذلك ينصب في عيش المرحلة الراهنة وإعطاؤها حقها من الاستيعاب وأخذ الفائدة وممارسة الحياة بشكل مستقر، فذلك سوف يغيّر الكثير عما إذا كنا نعيش اليوم لكي نتخطاه، ونصنع المهام لكي نتخلص منها، وكأن تلك المرحلة تعني إلقاء كل شيء خلف ظهورنا طمعاً فيما أمامنا، دون تركيز أو وعيّ. فقد تكون المرحلة الراهنة درساً للمرحلة القادمة، وكيف للدرس أن يتم استيعابه في خضم الاضطراب والعجلة.

تعليقات

  1. يقول أوسكار وايلد
    ..والزمن لا يتقدم بالنسبة إلينا، بل يدور. وهو يبدو كما لو كان يدور حول مركز للألم.

    كلماتك جميلة وهادئه..⚘

    ردحذف
  2. غير معرف

    اقتباس جميل حقا..
    وسعدت برأيك اللطيف 3>

    ردحذف
  3. شكرًا جزيلًا على هذه التدوينة :)
    كثيرًا ما تستهويني هذه الأفكار وأحاول تطبيقها بما أمكن
    أتمنى لكِ مستقبلًا سعيدًا وحاضرًا جميلًا🎀

    تقبلي مروري

    ردحذف
  4. nawartaha

    شكراً لمشاركتك لي أفكاري، حقاً أسعدني مرورك ودعواتك 3>

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

المرأة من منظور "زمّليني"

حياة الركض لا تشبهني