الشعور الصادق




الشعور الصادق تفصح عنه الكلمات دون النطق بها، وتبوح به الأعين دون تفسير لمحاتها، يصل للقلب دون وسيلة، يعبر بسهولة وكأن الروح دليله، يكون أشبه بالماء المنسكب من السماء على الصفاة الملساء، لا تشوبه شائبه أو يعكر انسيابه تشققات أو نتوءات كنتوءات المبررات والتفسيرات، ينطلق نقيّاً ويستقر نقيًّا. الشعور الصادق لا يتفلّت ويختبئ حتى تجيئ لحظة تدعى اللحظة المناسبة، هو يُخلَق في لحظته ويصل في لحظته ويموت في لحظته، فهو لطيف لدرجة لا نتصوّرها، لا يقاوم التهشيم أو التهميش، فإما أن يطيل البقاء أو يرحل للفناء. ومتى ما أذنّا لذلك الشعور الصادق بأن يتحرر من دواخلنا في لحظاته الذهبية، كلما كنا له أوفياء، نعي مدى حساسيّته الهشة وقيمته الفذة في آن واحد، وسرعة فقدانه من دواخلنا في حال تجاهلنا له، سواء كان صادراً منّا أو ممن سوانا إلينا. ولربما كانت صورة الشعور الصادق الأصل تتجلى في البدايات بشتى حكاياتها، كوننا نبدؤها أحراراً بعيدين عن قيود التبرير وأنفة النفس والكبرياء، فتعج تلك البدايات بصادق المشاعر في شكلها الخام، قبل أن يشوهها النضج والحذر وبعض الصدمات التي قد تحيلها إلى حُطام، فيظل كلٌ منا يمتهن التصدي لصادق شعوره فور ظهوره خشيةً منه، وكأن ذلك الشعور الصادق خطيئة أو مظنّة تعثّر، أو موضع إذلال للنفس، بل وكأنما كلما كان الإنسان إنسانيًّا وذو شعور صادق وصريح، كلما كان أقلّ قدراً لدى الناس! وما يثبت نقيض ذلك، يظل الأشخاص يذكرون ممن يعرفون صادق شعورهم وإن تبددت كل تلك الذكريات الأليمة الصادرة منهم بعد رحيلهم، وكأن كل تلك المشاعر ةالذكرى تتلاشى، ويبقى في النفس ما لا ينساه القلب الإنسانيّ من صادق الشعور الذي لا يبور.


تعليقات

  1. لقد بلغتّ عذوبة الكلمات مبلغها بشرى ❤

    ردحذف
  2. غير معرف غير معرف

    شكرا على عذوبة إطرائك 3>

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المرأة من منظور "زمّليني"

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

مواليد التسعينات | بين القناعات والتحديات