أقصوصة: تردد




لم تكن تعي بأنها تحمل الكثير من الكلمات حتى غادرت المقعد بعد منتصف النهار وعادت إلى المنزل بسيل من الأفكار. حينها أدركت بأنها تود قول شيء.. بل كل شيء. لم يعد الوقت مناسباً الآن.. فبعض المحادثات مع بعض الأشخاص تكون مقيدة ضمن فترة المعرفة والهدف من التعارف وغيرها من الالتزامات التي تحتم على المرء الانصياع وراء بعض السلوكيات المشروطة. انها تعي بأنها يجب أن تقول ما بداخلها من ثرثرة، لكنها سوف تندم حتماً كونها تنتهك اللائحة الشرطية. فضلت أن تلزم الصمت ريثما يحين الوقت المناسب. بالمناسبة، الأوقات المناسبة لا تأتي، هي فقط تحين حينما نقرر نحن أن تكون أوقاتاً مناسبة حتى وإن كانت اعترافاً بشعور بعد فراق، أو إنقاذاً للحياة في آخر لحظة، أو غيرها من الحماقات التي نلقيها على عاتق الأوقات المناسبة. لكنها بالرغم من ذلك ظلت تنتظر اليوم التالي. لم يأت بعد ذلك الصباح، فالليل يبدو طويلاً وطويلاً جداً حين تترقب نهايته. وبعد ساعات، ومع إشراق فجر اليوم التالي، بدت الحياة سريعة في نظرها، ارتدت ثيابها والتقطت هاتفها وحقيبتها ومضت بخطى عجولة وذهن متردد. ها هي تثمل أمام ردفة الباب الخشبية، والتي تتحرك ببطء مصدرة صرير مقلق بفعل الريح الباردة في صباح هذا اليوم. دخلت إلى المكان ذاته واتجهت نحو المقعد ذاته متوهجة الملامح، استندت بهدوء، وما أن لبثت حتى ارتأى أمامها النادل وهو يسير نحوها بخطى واثقة حاملاً في كفه ورقة بيضاء. تمتمت في نفسها، لابد أنه يود سؤالي عن قهوتي المعتادة، التي يجدر به عدم سؤالي عنها، فقد اعتدت احتساء ذات القهوة في كل مرة آتي فيها إلى هنا. حين اقترب النادل أصدر تحية محترمة ومد إليها الورقة البيضاء، وقال هي رسالة تركها شخص لك خصيصاً. تعجبت من تلك الورقة المطوية، فماذا عسى أن تكون؟ قلبتها بتأمّل ثم فتحتها بهدوء وبدأت بقراءتها وقد بدت ابتسامتها بالذبول تدريجياً بشكل لا إراديّ، وكأن تلك الورقة سلبت منها إحساسها بنفسها وبمن حولها، لم يقطع ذلك التبلد سوى ابتلاع ريقها بقلق، وانفراط دمعة ساخنة قبل أن تغلق جفنيها. أدركت بألم أن الوقت المناسب لن يأتي، فالوقت المناسب أحياناً يكون قد مضى بتمرّد بفعل الكثير من التردد.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المرأة من منظور "زمّليني"

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

مواليد التسعينات | بين القناعات والتحديات