الجنون والعظمة
بعد أن
أنهيت كتاب الجنون والعظمة شعرت بأنني ملزمة بالكتابة عنه وبنقل شعوري الحاضر والمتوهج
بأسرع وقت ممكن. الكتاب يحمل في طياته تفاصيل ثمينة قد تكون باباً مشرّعاً لمن
أوصدت في وجوههم الحياة، وقد يكون طوق النجاة، وهذا ما دعاني للكتابة عنه، فضلاً
عن الفائدة التوعوية التي التمستها بنفسي. استهل الكتاب بذكر تفاصيل الشفرة
البشرية و النواقل العصبية في جسم الإنسان، لكي يمهد للقارئ ماهيّة الجهاز العصبي
الذي يقطن داخلنا و يشكل مشاعرنا وتصوراتنا تجاه الأمور و الحياة اليومية. وكان
استهلالاً موفق للغاية للبدء بسرد الأمراض النفسية مرضاً تلو الآخر و كيف لها أن
تتسلل لهذا الجهاز الدقيق.
يقدم الكتاب مجلد مختصر و عميق في نفس الوقت للأمراض النفسية الأكثر شيوعاً في العصر الحالي. كنت أقرأ عن كل مرض بتمعن شديد جعلني أدرك أن تعقيد المرض ليس سيئاً بقدر سوء عدم فهم المرض ذاته أو تجاهل المبادرة بعلاجه و الخجل من الإفصاح عن أعراضه، والاستمرار في التوهم بأنه مجرد وهم، مما يؤدي إلى تفاقم ذلك المرض! كنعت المكتئب بقلة الدين و الإيمان وجلده بصفات الضعف و الانعزال، و كوصف مريض الفصام بالجنون و الهذيان و حبسه بعيداً عن الحياة و الجانب الاجتماعي، و كلوم مريض فرط الحركة و قلة التركيز على مشاغباته وعدم احترامه للعلم و التزام الهدوء. من المؤسف جداً أن مثل هذه التصورات و أكثر كانت موجودة كذلك في السنين المنصرمة في العصر القديم، والتي كان معاصروها يدركون العلل النفسية لكنهم يفتقرون إلى تفسيرها ومعالجتها بالشكل الصحيح كربطها بالشياطين وبعض القوى و الخرافات و التعويل على العلاجات الشعبية.. مما يؤدي بالمرضى إلى أمراض أخرى أو إلى الموت! فقد استعرض الكتاب مجلد التاريخ الحافل بمحاولات لفهم النفس البشرية و العقل المحيّر في زمن الفلاسفة و الإمبراطورية الإسلامية و أوروبا المظلمة والذي يكشف عن عظيم الانهيار و الازدهار تجاه تلك النفس البشرية السقيمة. الجدير بالذكر، أن الكاتب قدم أنموذجاً قيماً لكيفية النهوض بمجال الرعاية النفسية في مجلد المجتمع، فناقش العديد من الجوانب الهامة التي يجدر بالمجتمع مراعاتها والنظر فيها بجدية كتصحيح النظرة لمن أصيبوا بالاعتلالات النفسية، وأنه لا مانع من أن يكون المريض النفسي ناجحاً بل مبدعاً، و الوقوف تجاه الاستغلال الديني تجاه الأمراض النفسية، و العديد من الوقفات الهامة حقيقة التي من شأنها انتزاع جذور مجتمعية بالية قد تأصلت على مر السنين.
تم اختتام الكتاب بأمنية علقت في ذاكرتي، يقول الكاتب عبدالله
قدير: أتمنى أن رحلة الجنون التي كانت تُحيط بمعظم الاضطرابات النفسية بعقولنا قد
تحولت إلى عظمة فهم هذا الخلق، وهذا التكوين المعقد الذي وضعه الله سبحانه بهذه
النفس.
تعليقات
إرسال تعليق