لم يسعني




ربما لم أتحدث عن ما جرى في بلدي المملكة العربية السعودية من تفجيرات و قتل و فواجع في كل يوم جمعة .. و على الحدود .. و سطالشوارع... لكنني أقف لأقول الآن بأنّه لم يسعني الكلام و لم تسعني الحروف حتى .. لم يسعني أن أصف في تلك الفترة القريبة أن أستيقظ على مواساة الناس لبلدي .. لم يسعني أن أصف كلامهم المنهال في نوافذ الشاشات عن بلدي .. لم يسعني أن أصف ما تقاذفوه بين أيديهم من صور ليُرمى فجأة في كفّي .. فأقف صامتة مذهولة .. لم يسعني أن أقرأ قائمة أسماء الجنود المنسدلة .. و الذين يفيضون بدمائهم في الأرض ليرتقوا في السماء .. لم يسعني أن أصف نبضة القلب .. و سخونة الدمع .. و فراري للصلاة .. لم يسعني .. و قد كنت أكتب في المتسبب لكنني أتوقف .. فهم لا يسمعون .. و لا يعون .. فكيف نحدّث جاهلًا بل ميتا ؟ .. لم يسعني فعل شيء .. سوا تلقي الأخبار و الصلاة و البكاء .. و الرحيل نحو الأقطار المنتهكة منذ أمد .. نحو الشعوب المشردة وسط الثلوج .. نحو الصغار التائهة الذابلة ... حين تبيع الورود .. كيف يصفون حالهم ؟ كيف يصيغون حروفهم .. كيف يمكنهم تجسيد شعورهم .. بالتأكيد لا تسعهم الكلمات .. فنراها قد ترجمت في أعينهم الغارقة بالدمع .. و في أيديهم الهزيلة من فرط الجوع .. و في نبضات قلوبهم المتسارعة من الخوف .. تتطاير الأحرف كما تتطاير الأحلام و الآمال بالسلام .. بالعيش دون حطام .. دون كذب و تلفيق .. دون استباحة الحدود الحمراء التي يُجمع عليها كل إنسان قبل أن يكون له دينٌ أو ملّة .. أو أدنى مضغة .. من جَنَان.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المرأة من منظور "زمّليني"

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

مواليد التسعينات | بين القناعات والتحديات