عِش (Live )
استوقفتني التقاطة أحدهم لما كُتِب على هذه اللافتة عند أحد المقاهي في
كندا :
" لا يوجد واي فاي .. تحدثوا مع بعضكم .. اتصل
بوالدتك .. اعتبر أننا في 1993 ..عِش "
ما الذي كان في عام
1993 ؟ كيف كانت الحياة .. ربما سوف أستغرق وقتاً طويلاً للمقارنة .. لكننا
سنختصر كلاماً طويلاَ حين ننظر إلينا الآن فنعلم يقيناً كيف كانت .. بالتحديد حين
ننظر إلينا تجاه شبكات الفضاء المتقاربة و التي أودعت نوافذها في كف كلٍّ منّا ..
لكي نلج إليها فنسبح في الفضاء .. و نقيم زيارة مع من نريد حيث يقبع .. و نثرثر مع
من نريد دون أن نأبه بحال الشمس أو القمر .. و نفتح نوافذنا إلى من في الفضاء
فيلجون إلينا متى شئنا وشاؤوا .. و نكون في مكان ولسنا فيه بالفعل .. و الكثير من
السفر بعيداً .. أو الغرق عميقاً .. ربما كانت المتعة الفريدة في ذلك العالم
الافتراضي و الذي لا ننكر الآن كونه قريباً جداً ليصبح واقعيّاً حقيقيّاً .. نكاد أن نتحسسه ... ربما
كان الإثارة .. الحرية .. التحليق .. لكنّ تلك اللافتة وقفت في وجهه صدفة .. بعد
أن غدا التحليق سرحاناً و الحرية انتهاكاً .. و الإثارة جنوناً .. هذه اللافتة
وقفت في وجهه لتقطع بعض الحبال الممتدة لعتبات ذلك المقهى .. لتكون فيه متواجداً
بالفعل .. فتحتسي القهوة بالفعل و تتأمل المكان حولك بالفعل .. و تثرثر مع جليسك
بالفعل .. و تقرأ بالفعل .. دون أن تختلس نظراتك تلك النافذة و من يعبر خلالها
فيخطف منك لحظتك .. دون أن تسلب منك جملة عابرة قرأتها من تلك النافذة فتعكّر عليك
صفوك .. دون أن تهمّش الكتاب الذي أحضرته معك فغدا يقرأ هو في عينيك هجراناً و
إبعادا .. دون ذلك كله .. كما لو كنت لا تعرف النوافذ .. و لا تهتدي لسبلها .. كما
لو كنت واعياً لما حولك متعطّشاً لأجوائك و تفاصيلك .. كما لو كنت غائباً عن
الأماكن حاضراً في مكانك و موطنك .. كما لو كنت تعيش دون أن يسرقك من أيامك أحد ..
كما لو كنت تقضي حياتك دون أن يشكلها لك أحد .. كما لو كنت تتنفس صباح يومٍ بعام
ألفٍ و تسع مئة و ثلاثة و تسعين...
تعليقات
إرسال تعليق