رحيلٌ خالد



في الأيام الماضية القريبة كان الزحام يأخذ حيّزه منّي و من وقتي و ينهش في رغبتي بالهدوء ليبقي لي فتاتاً يسيرا .. و في يوم الثلاثاء السابق بالتحديد أحسست بعمق الإنهاك من فرط السير وسط الزحام .. و من فرط الحديث وسط الضجيج .. لأترك كلّ شيء مؤقّتاً .. و أتسلل لنافذة صغيرة متناسية هذا الأمر... ليطلّ علي أمرُ آخر .. فأثناء تجوّلي قرأت خبر وفاة الإعلامي خالدعريشي.. لأتوقف ... ليهتز قلبي .. لأنسى أنني جئت إلى هنا كي أستنشق لا لأختنق .. انقبض صدري و تعكّر حاجباي.. آلمني الخبر و ارتعبت.. و لم أكن أظنني لأرتعب هكذا .. تسللت لنوافذ أخرى لأقرأ المزيد لأعرف المزيد عن رحيله فكان الجميع .. مثلي و أكثر .. حتى من لم يعرفه مسبقاً..خالد من أحد الإعلاميين النشطاء والبارزين في عدة مجالات و برامج و فعاليات ذات أهداف سامية و رؤى تطمح للتغيير نحو الأفضل .. و من زاوية أخرى فهو الإعلامي الذي أميّزه بابتسامته ..و دعاباته و اتزانه في ذات الوقت و أسلوبه المحترم مع مختلف الإعلاميين و البرامج و الأجواء و الأشخاص و البيئات... علمت يقيناً بأن الخبر صحيح و بأنّه وقع قبل سويعات فقط مما زادني ألماً و رهبة .. لم أكن أظن بأن القلب سيشعر إلى هذا الحد بوفاة أحد الإعلاميين .. لم أكن أظن بأنني سأهتم إلى هذا القدر من الحزن و الجمود المفاجئ.. سارعت بإغلاق كلّ شيء مجدداً .. لكنني في هذه المرّة لم أتسلل لشيء آخر .. أو نافذة أخرى.. بل تسللت إلي .. لأسألني .. ماذا عنّي قبل قليل ... قبل علمي بهذا الخبر... أحقاً كنت مكتظة و متعكّره ؟ أحقاً كنت أظنني مختنقة و أقبع في الضيق..؟ لم أشعر حينها بشيء .. سوى أن كل ذلك غدا صغيراً و حقيراً.. فكان هذا الجواب لأسئلتي .. لم أشعر سوى أن الدنيا خاطفة و أنه ليس ثمة شيء يستحق منها أن نكتظ من أجله و أن نشعر بأننا قد وصلنا للسقف .. شعرت بأن كل هذه التفاصيل لا يجب أن تعنيني أو تخالجني .. فقد كان خبر وفاة خالد شيئاً كبيرا... ودرسا بث إليّ شعوراً ساخناً لم يزل كذلك إلى هذه اللحظة .. فقد رأيت من يبكيه من القلب و من يسرد ثناءاً طويلاً لم ينتهي .. و من يرفع صلوات كثيرة لم تنقطع حتى الآن... ممن يعرفه و ممن لا يعرفه .. فكان شعورهم تجاهه عميقاً صادقاً أبيضاً .. فعلمت حينها أن الأمر مختلف .. لذا فقد كان الشعور وسط قلوبنا مختلفا ... علمت بأن الله إن أراد لعبدٍ خيرا قذف في قلوب خلقه جميعاً محبة غريبة و شغفاً محيّراً .. من أجله .. وصلوات يتوجهون بها لله .. من أجله .. و نبض قلبٍ نتعجّب منه نحن حين يصدرُ منّا بهذا العمق.. من أجله .. علمت بأن خالد .. سيظل ذكره خالداً .. حين رحلت روحه الصافية و قلبه الطيب ليحدث تلك الفجوات الموجعة في قولبنا .. كي نتذكّره بها دائماً .... و كي نوقن بأنه قد يرحل البعض عنّا .. ليُخَلّد فينا,

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المرأة من منظور "زمّليني"

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

مواليد التسعينات | بين القناعات والتحديات