أدبٌ هذا أم ماذا ؟


إلى كل أديب يحمل مسمى أنه كاتب و حسب..لا يحمل معنى الكتابة بروحها الحقيقيّة.. إلى كل السطور الدنيئة المصطفّه في سيناريو بفعل أحدهم لتظهر على الشاشة لأعيننا منذ زمن وحتى هذه اللحظة ... إلى كل المشاهد السوداء المنبثقة بفعل قلم.... إلى الرواية الحاصلة على الجائزة..إلى رواية الغروب الصفراء  التي لم أنهها و قررت رميها مع المخلفات إلى صفحاتها المكتظة بأحرف استهلكت ورقاً كان من المفترض استهلاكه في مئة غرض أسمى و أرقى... إلى كل من يكتبون من النوافذ..من يقومون بتعرية أقلامهم من السموّ...إلى كل  المنهمكين في الوحل مع أوراقهم... أهدي هذا المقال..

... إني ليسرُّني و الله و يثلج صدري أن أرى إخواننا الشبان النابهين من طلاب البكالويا ينصرفون إلى الأدب,و يعالجون صناعة البيان,و يكتتبون القصة و المقالة و ينشرون في الصحف.. و إني ليعجبني أن تنتعش الروح الأدبية في هذا البلد,و يسجل في قائمة (المشتغلين بالأدب) أسماء جديدة, إذا لم يكن لأصحابها بلاغة شيوخ الأدب,و اطّلاعهم الواسع, و علمهم و عقلهم, فإن لهم لحماسة,و إن لهم لنشاطاً ليس للشيوخ مثله.

و لكن لا أحب أن ينسى إخواننا الأدباء الجدد و هم يكتبون و ينشرون أن سيقرأ ما يكتبون الفتى الناشئ و الفتاة في الخِدر,و أنه سيقرأ  الجريدة الأب على أولاده, و الولد على أبيه, فلا يكتبوا فيها ما تستحي الفتاة أن تقرأ على أبيها, و لا يألم الأب أن يقرأه على فتاته, و لا يكتبوا إلا ما تسمو به الأخلاق و يزكو به الأدب, و تقوى به الوطنية و تعز به الفضيلة...

و لقد قرأت اليوم  - في جريدة محلية – قصة اضطررت و الله معها إلى أن أمزق الجريدة, و أخفي قطعها عن إخوتي و أخواتي,كيلا يقرؤوها, و فعلت مثل ذلك من أيام ... و لعلني سأفعله كثيراً إذا لم يشأ إخواننا الشبّان.. أن يقلعوا عن هذا النوع من الأدب, و يستبدلوا به أدباً فاضلاً عفيفاً, يصوّر شيئاً غير هذه الثورة الجنسية, و ينظر إلى المرأة –إذا لم يكن بُد من ذكر المرأة- نظرة أسمى:لا جسمها وحده ... و ينظر إلى المرأة (الأم) و ينظر إلى المرأة ( الزوجة), و ينظر إلى المرأة ( الأديبة) أو (العالمة) أو (المصلِحة), لا إلى المرأة من حيث هي ( امرأة) فقط ... و يتخذ الأدب وسيلة للإصلاح, أو يمتنع – على الأقل – أن يتخذ منه سبباً إلى الإفساد..

و ما معنى قصة لا تصف إلا الجانب الأرضي من صلة الرجل بالمرأة, الجانب الذي يبدوان منه زوجين من أزواج الحيوان؟ و أي جدوى لهذه القصة سوى أنها تنبّه في قارئها هذا الحس الحيواني .. و تدفعه إلى إرواء هذا الظمأ الجنسي من أقرب مستنقع؟

على أن الذي يدفع (أدباءنا الشباب) إلى هذا الأدب العاري.. الأدب المخنّث... أنهم يقرؤون في قصص الغرب و يرون في روايات السينما مثله .. و لا يعلمون أن الأدب في جملته و الأدب القصصي على التخصيص,يجب أن يمثل الحياة الموضعية, و يعرضها في أشكالها كلها, و يصف جوانبها جميعاً, و لا يعلمون أنه إذا مثّل هذا الأدب حياة الغرب, فإنه لا يمثل حياتنا, و إن زقاق الصخر و ما فيه...ليس دمش كلها, و إن في دمش بحمد الله شيئاً غير حياة هذه (البنسيونات) الوضعية.. إن فيها لحياة عائلية محترمة, إن فيها لشرفاً, إن فيها لجمالاً, إن فيها لبطولة, إن فيها أشياء كثيرة, كلها شريف و كلها جليل,و لكن إخواننا الذين يكتبون هذه القصص – كما يظهر لنا- لا يريدون أن يعرفوا شيئاً منها, و لا يريدون أن يصفوها,و لا يريدون أن يخرجوا من هذه الدوائر التي تحدها مدرسة التجهيز الجديدة من هنا و شارع بغداد من هناك... و لهم أن يصفوا ما شاؤوا,و لهم أن يهتموا بالذي يحبون,أما أن ينشروا في جريدة يومية قصصاً لا فائدة منها و لا جدوى... إلا أنها تفسد أخلاق الناشئة و تدلهم على الطريق الذي ينحدرون منها إلى الهاوية.... فشيء لا يمكن أن يُحتمل.

فيا إخواننا (الشبّان الأدباء):

اعذرونا .. إننا لا نستطيع أن نتخلى عن أخلاقنا و شرفنا و عفاف أبنائنا و بناتنا إكراماً لخاطركم.. و حباً بعيونكم, فأقلعوا – و الله يرضى عنكم – عن هذا الأدب المخنّث العاري, و اعملوا على تهذيب النفوس و كبح جوامحها, و إحياء الفضية فيها, و اجعلوا أدبكم السلاح الذي تقتلون به الرذيلة... لا الحبل الذي يجرُّون به الشباب إليها.
مقال أدبٌ هذا أم ماذا..كتبه الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله/كتاب هتاف المجد/ص 175 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المرأة من منظور "زمّليني"

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

مواليد التسعينات | بين القناعات والتحديات