....



هذه التديونة من قلبي من صوتي من داخلي مباشرة .. و لو أنّها تُسمَع بنبراتي لأحسستم بعمقها الصادق الذي سأسرده دون تكلَف دون خوف من عدم تنمّقها في السياق الأدبي... هذه التدوينة حديث كأحاديثي و إحساس كباقي أحاسيسي .. لكنه كبير جداً ..

 سأبدأ منذ البداية منذ البياض منذ الفسحة من حولنا لتفهموا أصل الحكاية التي أعنيها.. كنت و أظن أننا جميعاً كنا .. في أماكننا في شؤوننا  لا نحلق للبعيد كثيراً إلا في أحيان خاصة كنا نهتم بنا و بالقريبين منا و بمن حولنا.. كنت أتوجه مباشرة لما أريد و أعرف ما أريد و أسعى لمن أريد .. كنت منشغله بما يهمّني فقط و أكرر بأننا كنا جميعاً كذلك على ما أظن.. بدت الحكاية حينما مرت على مسامعي كلمة التوت.. ليس التوت الزهري الذي أقطفه في صغري أثناء عودتي من المدرسة .. بل هو توت أسود ..و صلب... لم أكن أعرف ما الذي يميّزه سوا أنه ذو ثمن مرتفع و لذوي الأعمال فقط... بعدها رأيته في كف ابنة خالتي الطبيبة فهو يناسب وضعها و (عملها ) ! هذا ما فكرت به...و لكنني حين تجولت خارج المنزل و في أماكن للفتيات كالمقاهي وجدتهن يمسكن به بكثرة ... يحدقن فيه .. و هن مبتسمات !! مما جعلني أتعجب هل جميعهن ذوات أعمال و قمن بالتضحية بسعره البهيض من أجل تلك الأعمال ... أم  أن ذلك التوت الأسود لذيذ و حسب !... توالى التوت بالظهور في أكف الجميع و علمت حينها أنه ليس باهضاً فالكل يستطيع اقتناءه حتى الأطفال .. و أنه ليس للعمل .... هو لذيذ و حسب و يمكن لمن يقتنونه أن يتذوقوه هم فحسب بينهم......

عبرت الأيّام و مواسم التوت ...لتنبثق الحكاية مجدّداً...رأيت تلك الصور و سمعت تلك الأحاديث عن مستطيل أبيض يستدير حول نفسه في الإعلان ثم يبرق اسمه آخر المشهد بخط عريض IPhone ..لم ألق له أي اهتمام بل لم يداعب قلبي لكي ألتفت له إطلاقاً بل لم يجذبني من الأساس...بدت السبل بيني و بينه طويله بل ربما مبتوره .. لم أضع صورة له في مخيلتي و هو في كفي بتاتاً.. لأنني باختصار لا أحتاجه و لا أريده.. لم أكن لأقول ذلك تحجّجاً برفضي لاقتنائه حين بدا الجميع بالتحدث عنه...بل انني حقيقةً لم أكن أشعر بالميل له (إطلاقاً)...الأيام جرت بسرعه استمعت لأحاديث تصلني عنه بأنه كالنافذه لأي مكان تريد أن تطل عليه...كنت أقول أنا لا أريد أي مكان..أنا أعرف الأماكن التي أريدها و الوصول إليها... من خلال نافذتي الصغيرة المتواضعه...لكن الخيارات تكدست حولي بكثرة و بدا من حولي يطلّون من نوافذه الفسيحة و يتجوّلون... إلى أن جاءتني فرصة اقتناء تلك النافذه الفسيحة.. كنت أصلي كلما سنحت لي تلك الفرصة... فتبتعد عني فلا أقتنيه... و تأتي الفرصة ثانية لأجده بقربي و أمامي لكنني أصلي ثم يبتعد مجدّداً.. ربما تعجّب البعض منّي .. و لماذا كل هذا... هو مجرّد نافذة أجمل من النوافذ العتيقه...هو أفسح منها .. و حسب..ليس ثمّة شيء يجلب الخوف ...لكنني كنت أجيب نفسي بأن نافذتي لم تزل نافذة و إن كانت ضيّقة.. و ما أريده فعلاً هو النافذه و كلاهما نافذتين ... حتى اقتربت الفرصة كثيراً ..لأجده في كفي أخيراً..لم يكن في كفي وحدي كنت متأخرة تقريباً .. فالجميع يمتلكونه و غدا أمراً طبيعيّاً إن لم يكن لازماً!

بدت حكاية أخرى من هنا .. منذ شاركني و شاركنا جميعاً حياتنا ذلك المستطيل .. أو النافذة المستطيلة الفسيحة ..هذه الحكاية الان أعتبرها قلب الحديث و تدوينة أخرى...كما كنا نصفه بأنه نافذه هكذا تعايشنا معه...الكل يطل منه على مكانٍ ما... يتجول الجميع و يتأمّلون .. لكنه لم يكن كذلك فحسب... كان أكثر بكثير... كان أفسح مما تصورت...كان منفتحاً لدرجة الهروب .. إلى حد كبير سأحكي عنه الان...

هذا المستطيل بدا نافذة على العالم باختصار...يمكنك رؤية الكثير...الشعور بالكثير...معرفة الكثير ... فقط من خلاله...الأمر ليس سيء أليس كذلك ؟ بالتأكيد... هو ليس كذلك....هذه النافذة المستطيلة بدت بالتناسل...و بدت النوافذ الصغيرة بالانبثاق و لكل منها وجهته ثمة نافذة لسرد الأحرف و الكلمات ... ثمة نافذة مطلة على صور لا تنتهي ... ثمة نافذة لتحدث من شئت متى شئت...ثمة نافذة و أخرى و يمكنك أن تتجول منها و هي في ازدياد و تناسل....

أن تستطيع التجوال و إيجاد ما تريد بسهولة و أن توثق تفاصيلك أمر جميل... هذه النوافذ جميلة بما يكفي لتأمّلها... مزركشة بما يكفي للتجمّل بها.... و إنني لم أجدها سئية أبداً.. ما جعلني أتأمّل الحياة بصمت و التفرّس في هذه النوافذ.... هو استعمالنا لها... حيث صرنا نعيش بطريقة مختلفة تماماً..أتذكرون البداية حين بدأت الحكاية.. حين كنا نهتم بما يهمّنا .. نعرف وجهتنا ,, و ماذا نريد...لا يمكنني أن أنكر و لا البقيّة بأننا لم نعد كذلك... استعمالنا لهذه النوافذ بدا أمر غريب .. غريب فعلاً بما يكفي ليجعلني أقف دائماً و أفكر في البداية حيث كنت...كيف غدونا نطل منها دائما لا سيما الخروج منها للبعيد ... حيث نعود متأخّراً و في كل مرّة نعد أنفسنا بأننا لن نفعل ذلك مجدّداً.. كيف غدت تقرّب لنا كل شيء و تفتح لنا صناديق مغلقة كثيرة... و تجعلنا وسط الشواراع و ضجيجها دون خيار منا أو مشورة.... غدونا ننجرف إلى هناك  لأن الآخرين هناك...غدونا نفتح الصناديق لأن الآخرين فتحوها....أخيــــراً غدونا نطل عليها دائماً متنقلين من نافذة إلى نافذة دون شعور...دون شعور عميق بالتلذذ بجمال المنظر أو وقع اللحن أو استشعار الأحرف...و كأننا نجري للوصول لشيء كل يوم ... و لكن لا نعرف إلى أين ... نحن نفتح النوافذ هكذا... على مصراعيها... كل حين... لنتأمّل الجديد...و لو بشعورنا العتيق لتكرار ما نفعله !!

 غريب ما نفعله.. و من القلب أقولها...غريب... إننا لا نكل .. و لا نحسن التعايش مع تلك الأشياء التي غدت ترسم مسار الساعات دون لجام من أنفسنا على أنفسنا! أتساءل دائماً إذا لم نكف من أنفسنا... ما الذي سيوقفنا لندرك كل هذه الغرابة .. مالذي سيجري...  هل سنعيش بهدوء... بعقولنا الفسيحة التي تغلب فسحتها كل تلك النوافذ..هل سنحفظ قلوبنا البيضاء... هل سنتشبث بأعمارنا الجارية...ما النهاية ؟ أتوق للنهاية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

المرأة من منظور "زمّليني"

ثمن التجربة