المكتئب ..الإنسان
أمقت الاكتئاب، وكيف يتسلل بصمت في المكان والكيان، ليحيل الأشخاص إلى هيئاتهم الشبحيّة، صفاتهم التي لا ينتمون إليها، وجوههم التي تلتبس بهم كأقنعة، لا تقنعني. فأنا أثق بإنسانيّتهم ونسختهم الأصل، وصفاتهم البيضاء بعيدًا عن هذه القتامة. كبراءتهم التي تتبعثر بفعل الوعي المرعب، وغفلتهم التي تستيقظ على أتفه المواجع، وكلماتهم اللطيفة التي تستحيل للتذمّر والضجر، وأعينهم الوديعة التي تتحوّل لينابيع تحتبس الدموع. كلّ شيء يتبدّل في هؤلاء الأشخاص بفعل ذلك الاكتئاب، والألم يحتل المساحة الأكبر. وحين يبحثون جاهدين عن أسباب ذلك الألم الخفيّ والكآبة الطاغية، لا يجدون جملةً مفيدة تصف السبب والمسبب، فالاكتئاب حين نبحث عنه لن نجده، فهو غير موجود، لكنّه متمكّن الوجود، ذو حضور وسطوة على النفس والملامح والتفاصيل والحياة برمّتها من حول المكتئب. كم أمقت الاكتئاب، أمقته جدًا، فالأشخاص الذين يلتبسون به هم أناس طيّبون، بريؤون، ذوي فطرة نقيّة ونفس صافية، لكن الظروف التي تعرّضوا لها لم يكونوا جديرين بتحمّلها، أو لم تمهلهم الحياة الوعي بها، والذي سوف يمكّنهم من إدراك القدرة على التشافي والإيمان بعد الله بأن الن...