في حضرة اللاشعور
إلى الصمت كم أطلتُ الإنصات، وإلى ما يُحبس في شفتيّ من كلمات، وإلى كل شعور قد توارى في حضرة اللاشعور، لكنّه لا ينفي وجوده. إلى كل التفاصيل التي لا يعيها أحد، وإلى كل الوحدة التي أخالها ضعفاً، وإلى كل العواطف الصادقة، والمعاني المخلصة، التي يُساء فهمها من حولي، إلى كل ذلك العالم الداخليّ المنطوي على صمته في زاوية العالم الأكبر، أخطّ رثائيَ المبتور. فالشوارع تضجّ بالمارّة، وليس من شأن أحدهم أن يلتقطك، أو أن يرى في عدم وجودك وجود آخر، وفي صمتك، كومة من الأحاديث البكماء، وفي توقّفك عن قطع الأرصفة تردّدًا من مصادفة ذات المنزلَق الذي تجرّعته في شتاءٍ منصرم. فأنت لا تبدو وحيدًا، ولا تبدو أكثر من كائن يجلس برفقة ذاته، تحت عمود الإنارة اليتيم، تستظل سحابة تجود بقطرات من مطر يهمي على عجَل، ليتخطّى بقعتك، إلى الضفّة الأخرى. تتفحّص العالم الخارجيّ بأعين عالمك الداخليّ، فتبدو بلا شعور، لكنّك عاصفة المشاعر، وبركانها، وفيضانها، ومنبعها الأكثر عمقاً، الذي قد ردمه الصمت المطبق، والعزلة الطويلة. لكن الطبيعة لن تجود بمواساتك في تلك الرحلة الخاوية، ولن تشاركك الصمت الذي يقدّس لحظة غي...