غربة النفس
أحياناً يبدو الإنسان غريباً عن نفسه، فيظل متسائلاً عن أفعالها و أقوالها و ظنونها، ثم يعود متفهماً لما اقترفته و مؤيدا، لكنه سرعان ما يعاود الكره و يتعجب مجدداً من نفسه التي تبدو وبشكل أدق هي الغريبة عنه، و كأنها طفل عنيد يأبى إلا أن يفعل ما يملي عليه هواه. لا يبدو ذلك التعجب من النفس أمراً مشؤوماً، هو في الحقيقية أمراً محسوماً، فتغير النفس و تصرفاتها يتولّد جرّاء المجريات و المعطيات من الحوادث و الأزمنة و الأشخاص، فتكون النفس متشكّلة على ما مضى من معتقدات و تصوّرات نمليها عليها طيلة الفترة الماضية، حين لم تواجه بعد ما تواجهه الآن، فيأتي الحاضر المختلف ليجعلها في حيرة و تردد للانطلاق قدماً أو الالتفات للخلف ندماً. إن تغير النفس خلال فترات الحياة المتقلبة سلاحاً ذو حدين، فقد يكون تغيرها القشة التي تقصم ظهر كل ما مضى من أمور حسان، و قد يكون تغيرها أمراً طبيعياً لمواجهة العنفوان .. وخوض تجربة الحياة و التعرف على ما هو جديد، فالنفس ليست كالجليد، بل هي كالماء المنساب الذي يتشكل وفق منعطفات الجداول و الصخور.. سعياً للتجلي و الظهور. و سيظل الإنسان و نفسه في صراع مستمر بين جذور الماضي ...