القدرة على تذوّق الجمَال
حين كنتُ طفلة، كُنت مولعة بالجمال بأدق تفاصيله، وبطبيعتنا كأطفال سوف نلحظ جماليّات في التفاصيل من حولنا ونعيش معها بأسلوب انسيابي لا يتعارض مع واقع المادّة والمنطق من حولنا، كوننا لم نحمل بعد مسؤوليّات ذلك الواقع. وحين كبرتُ وخضت بطبيعتي البشريّة تحدّيات الواقع، لحظت بأن العيش في الواقع بواقعيّة بحته جعلني أنخرط في مبادئ لا واقعيّة، بمعنى، أنّني بت أحاول تشكيل أسلوب عيشي في قوالب مصمّمة بإحكام لتماشي الواقع ولتطابقه وفق منطقيّة عالية. فعلى سبيل المثال، قد لا نرى في بعض الممارسات الفنّية جماليّات عميقة من شأنها أن تأخذ منحى أسلوب حياة بدلًا من اتخاذها كأداة متعة وقت الفراغ لنتجه إلى ملئ أوقاتنا بما هو أهم في نظرنا، كممارسة ما ينتزع من روحنا روحها فقط في سبيل منطقيّته ونفعه المادّي. أو بمعنى آخر، قد ننظر إلى الواقع والأحداث والروتين العملي الذي نعايشه بصورة ثابتة تضع ذلك الواقع والمنطق في المقام الأوّل وما سواه من استشعار جمالي تأمّلي في ذلك الواقع أو إسقاط حسّي كأمر ثانوي أو زائد أو غير ضروري. ومع مرور الوقت، ستحيلنا تلك المنطقيّة القاسية إلى الفراغ، أو الامتلاء المجوّف، فطغيان ...