استنطاق إفريز الحياة



 


قبل عدة أشهر، قمت باقتناء كتيّب خاص بمعرض "مفازات الروح" خلال زيارتي لمركز إثراءبالظهران. في بداية الأمر، كان التصفّح فاتحة الإلهام، فلقد اشتمل الكتيّب على مجموعة من أعمال الفنان النرويجي إدفارد مونك، التي أطلق عليها عنوان "إفريز الحياة"، والتي جسّد فيها التحديات الوجودية للذات في الحياة كالحب والفقد والوحدة والسقم والقلق واليأس وغيرها. وجدت في نفسي انجذاب إلى تلك الأعمال من حيث محورها الأساسي؛ الذات. وتساءلت حينها، كيف لذلك التكوين الـلا مرئي أن تتجسّد معانيه وصراعاته بتكوين آخر مرئي، وهي اللوحة الفنية. وكيف تمكّن إدفارد مونك من خلق عالم فني ذو تفاصيل معقدة لتكون ذات صلة بذواتنا وفهمنا المعقّد لها.

 

في حقيقة الأمر وبعد ذلك الإلهام، نويت التدوين عن أعمال إفريز الحياة من حيث شرح أسلوب الفنان فيها، وتفسير اختياره لبعض الألوان المعيّنة عن غيرها ليصف صراع ما في إحدى لوحاته. لكن ومن حسن الحظ، مررت بأعمال شغلتني عن البدء في تلك التدوينة، مما اضطرني إلى تأجيلها. فخلال هذه الفترة المطوّلة من التأجيل، تلقّيت مهارة جديدة في إحدى البرامج الخاصة بكتابة المحتوى التي التحقت بها، ألا وهي استنطاق اللوح الفنية بكتابة المعاني التي تقع في نفس متأمّلها (وليس شرط ما رمت إليه نفس الفنّان) بأسلوب الكاتبة الأدبية. عندها، سطعت في ذهني تلك التدوينة المؤجلة، وارتأيت أنه قد آن لها أن تكون وجبة شهية لتغذية تلك المهارة الوليدة. فلقد أحببت أسلوب الاستنطاق جدًّا، وبدا لي مصدرًا زاخرًا بالإلهام الذي يحفّز السرد الأدبي الشاعريّ. لذلك، يسعدني أن تكون هذه التدوينة نتاج استنطاقي الأدبي لبعض أعمال "إفريز الحياة" لإدفارد مونك، مع تمنياتي لكم بقراءة تأمّلية ماتعة.

ملاحظة: فيما يلي عنوان كل لوحة مرفقاً بنسخة مصوّرة من اللوحة ومن ثم استنطاقي الأدبي.

  
ضوء القمر. ليلة في سان كلو 1895


وحدي، في حضرة الوحدة أقيم،
وفي زاوية حجرتي العوجاء أستقيم.
أنهل من معين القمر،
حين يسكب ضياءه الفارّ من أفق السماء، في قعر ظلمتي.

اليأس. 1894


بائسٌ أنا، وسوداوي..
فمن يبث الحياةَ في روحي، ومن يداوي؟
فأنا الضرير البصير..
مَن قد ابيضّت من حزنه عيناه، واسودّت في بصيرته دنياه،
واستحالت سماؤه سقفًا، وهواؤه رمادًا، وأرضه منزَلَق.

الصرخة. 1895


تصرخ الروح هلعًا، فتزمجر السماء،
وتبعث من وحيها أمواجاً حادّة،
تحيل الكون من حولي وخزًا من خوف فظيع.

قبلة على الشاطئ في ضوء القمر. 1914


تقبّليني،
 فيُقبِلُ عالمك إليّ،
وتغدو مفازاته في يديّ.
أقبّلك،
فيتسع العالم،
وتمتزج المعالم.

الشمس. 1910-1913



للشمس إشراقان،
إشراق الكون،
وإشراقنا.

تحت التفاح الأحمر. 1913-1915


في التلِّ..
يحلو بيننا الشعر البواح،
وتتدلى الكلمات كالتفاح،
تشعّ بالحبّ،
كوهج لونه الأحمر،
كدفء لبّه الأصفر،
أو سُكْرهِ المباح.

بجوار فراش الموت. 1896


لا ترثوني نفاقًا عند موتي،
فالوجوه عند الموت تتكشّف،
وفي حضرة نزعي،
أبصرُ نزع أقنعتكم.

الطفل المريض. 1927


حين يئن كبدك خارج بدنك،
تتعطل،
وتبدو عاجزاً عن كل شيء،
بل أي شيء،
حتى النظر إليه.

عرس البوهيمي. 1925-1926                 


عرسُ بلون العزاء،
وكعكعة بطعم المرارة،
ومدعوون في هيئة الأشباح،
ومعزوفةٍ كصفير الريح،
وعروس شاحبة،
على عرش الضريح.

زوج من البشر. الوحيـدان. 1933-1935


أنتَ، وأنا، زوجان،
على مقربة أقدام،
كما نبدو،
لكن نفوسنا متنافرة،
على بعد أعوام،
فالألفة معدن الأرواح،
 وجاذبية الأبدان.

ليلة مرصّعة بالنجوم. 1922-1924


حين تكون في حضرة الليل،
تدعوك النجوم لعرسها،
وتغني السماء أنشودتها الخاصة،
وترقص أنت برفقة ظلكَ،
رقصة المساء.


تعليقات

  1. جميل جداً لدرجة أن يخيل للمرء حين نهاية المقالة
    أنه كان بزيارة متحف معد بإتقان وإخلاص للفن
    متحف كان مكتوب على لوحته الخشبية نقش "شيء يشبه الضوء"

    ردحذف
  2. غير معرف

    "شيء يشبه الضوء"، ممتنة لهذا الوصف البهيج!
    شكرَا لكلماتك 3>

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

المرأة من منظور "زمّليني"

ثمن التجربة