المشاركات

عرض المشاركات من أغسطس, ٢٠٢١

أمّهات اليُمن وآباء البَرَكَة

صورة
  لا أعلم لماذا كلّما رأيت كبار السن أشعر بأنّني مرهفة الحسّ بشكل إضافي، حاضرة الدمعة والشعور، متعاطفة مع حركاتهم وسكناتهم وسرحانهم في الحياة وما كابدوه فيها. قالت لي أختي يومًا اشتقت لجدتي رحمها الله، قلت لها وأنا كذلك، جدًّا. وهنا انتبهت لجذور الشعور، فلم يعد لديّ جدّة منذ أكثر من عام، رحمها الله ورحم سائر أجدادي وأموات المسلمين. فلقد كانت جدتي الراحلة آخر أجدادي. ربما شعوري المرهف تجاه كبار السن امتد من جذور هذا الفقد، امتد ليطال كل كبير في السن حتى أبواي، وإن كانا لا يصنّفان من الكبار كثيرًا، لكنّهما كبرا، فحين وعيتُ، لاحظت ذلك. أسأل الله لهما ولكل المسلمين طيلة العمر بالعافية وحسن العمل، والرحمات لمن توفّي منهم.     وجود كبار العمر يبارك العمر، يجعله أكثر سلامًا وميلًا للأمان. كما يبارك الأشياء والأوقات والمشاعر. فكم ألحظ كيف تحيط البركات أمّي حفظها الله من كل جانب. فحين تطهو أمي، وتترك القِدر جانبًا، رغم اضطرام الفرن، ينتظر القِدر أمي، ويتمهل الطعام في النضج حتى تعود، على مهلها ورسلها. تعجن أمّي الفطائر، تعد الحساء، تحمّر أفخاذ الدجاج المتبّلة، على مهل، بكل سرعة وبطء. ولو أنني

العِـقد الثالث ~

صورة
  عَقدي الماضي كان ثمينًا، ولم أجد ما أعبّر به تجاهه أثناء توديعه إلا بوصفه عِقدًا ثمينًا، نسجت فيه لآلئ نفيسة، كل لؤلؤة كانت نتاج رحلة غوص في أعماقي وأعماق الحياة وأسرارها، منها ما تعلّمت خلالها الغوص والإبحار بانسيابيّة، ومنها ما واجهت فيه الغرق، ومنها ما أدركني الاختناق، وحالفتني النجاة والعناية الإلهيّة. لم أشعر بطمأنينة حين شرعت بتوديع هذا العَقد من عمري وسنوات العشرين، واطمأننت لما هو أجمل من الوداع، وهو البقاء رغم المفارقة الزمانيّة، فدروس العشرين باقية فيّ، لأنها الأعظم والأبقى في نظري حتى الآن، لذا طوّقت جيد عمري بعِقد بهيّ، تصطفّ فيه كل لؤلؤة بقرب مثيلتها والتي حزت على كل واحدة منها بكفّي بعد رحلة شاقّة، أو ماتعة، أو مجهولة البوادر والعواقب، مغمورة بالألطاف والرحمات مهما بدر منّي من جهل وتقصير. أحببت جدًّا فكرة أن أقتني أشياءَ توثّق هذا المعنى وأهديها لنفسي، لتذكرني به، تشعرني بأهمّية ما حزته خلال مرحلة العشرين التي لا يدرك قيمتها إلا من عايشها كاملة، بكل تيهها وضلالها، ونورها ودلائلها، بكل حماساتها وانطفاءاتها، بكل معاني الحب، وما ظنّناه حب، وما لم نظنّه حب، بكل شخصيّة تلبّس