المشاركات

عرض المشاركات من سبتمبر, ٢٠١٩

في أن تكون أخضر

صورة
خلال فترات ماضية حين أكون فيها بعيدة عن وطني الحبيب المملكة العربية السعودية لفترة طويلة أدركت فيها عمق شعوري تجاه الوطن ومعناه وحضنه والانتماء إليه بحكم البعد والاشتياق، وكنت بعد العودة أهيم باللون الأخضر المتدلي من سقف المطار وبصوت المآذن في السماء وبالهوية المرتسمة على من حولي وبالرداء واللهجة والأمان. لكنني اليوم وبحضرة الوطن الحبيب، حيث أقطن، أحسست بشعور مغاير، شعور صادق، لم يصنعه البعد، أو الاغتراب أو الاشتياق، شعور ينبع من هنا، من مكان إقامتك على هذه الربوع السعودية السعيدة، شعورٌ قد أسميه انتماءً أو وفاءً أو حتى امتنان. استوقفني هذا الشعور، فأخذت أبدد شدته العاطفية كيّ أصل لماهيّته، كي أدرك ما شكله، وما هو المعنى الذي يقتات عليه ليكون بـ هكذا قوة. فبدت تساؤلات تلك الشعور بالتفاقم، كيف ينبع حبك للوطن في لحظة عابرة، وكيف لعينيك أن تدمع عند سماع أبيات غابرة، تحكي مجده وطيات نوره المسطّر. كيف يكون ذلك الشعور حبيس القلب دون أن تعلم بأنك تكن كل هذا القدر تجاه موطنك؟ ومع كل سؤال، أجد بأن الجواب يكمن في غفلة الشعور عن الشعور، فمن فرط شعورنا بالأمان، ننسى شعورنا بالامتنان، ومن

أقصوصة: فتيل وعويل

صورة
منضدة في زاوية الحجرة، وشمعة متراقصة تكسر كآبة الصمت المهيب، دخل منهكاً بعد يوم فارغ، تكتسي ملامح وجهه شيئاً من الشرود والبلادة. لمَ يظل مسكني أشد وحشة من العالم الخارجي؟ ألا يفترض أن يكون المسكن جنة الفرد بعيداً عن فظاعة ما يجده خارجه؟ تساءل في نفسه بصمت كعادته، فهو لا يجيد التحدث بصوت مسموع من فرط الوحدة. لكنه لم يجد جواباً من أفكاره، ووجد الجواب في شمعته المنزوية بخجل، حين بدأت تتراقص بشكل أسرع وتنفث الدخان النحيل، وكأنها تقول له، لأنك تهجر هذا المكان كثيراً، فهو لم يعد يعطيك، فأنت لا تعطيه، ألا تعلم بأن الأماكن تحنّ كذلك؟ فأخذ يقترب منها، ويتأمل فتيلها الضئيل، كيف له أن يقاوم الظلمة، ويظل ينفث ناره ونوره طيلة الليل والنهار حتى يهبّ النسيم البارد من الشرفة فيقضي عليه. جلس على مقعده المهترئ وألقى برأسه المثقل على سطح المنضدة المائل مستنداً على ذراعيه الخاويتين. لم كل هذا الخواء، لم كل هذا الصمت الذي يجتاحني رغم تزاحم الكلام بداخلي وتفجّر الشعور بين جنبيّ؟ لمَ لمْ أعد أتحدث، بل لمْ أعد أرغب بالحديث؟ أهكذا يصنع الفقد بالإنسان المسكين، أم هذا ما يجنيه من حرب لا ناقة له فيها و

رضا المرحلة الراهنة

صورة
يلازمنا شعور الركض المستمر لتخطي مرحلة ما وبلوغ أخرى، وكأننا جُبلنا على هذا التسارع سعياً لشيء ما يُدعى الاستقرار أو الرضا أو القبول وبمعنى أدق يُدعى التوقف. من المؤسف أننا نسعى جاهدين لكي نتوقف، أو لنستريح، وكأن الوجهة التي نسعى إليها في الحياة قد وُجِدت لكي نبلغها فنغدو جماداً حينها باسم الوصول. وبفعل امتهان ذلك التسارع المستمر يغيب عن أذهاننا معنى الاستقرار الفعليّ أو لنسمّيه الرضا. إن الرضا بما توصلنا إليه في مرحلة ما يُجنى بتقدير ما بذلنا قبلها، فحين نتأمل المرحلة الراهنة التي نعايشها اليوم أيًّا كانت تلك المرحلة وأيًّا كان مستوى فعاليّتها المرجوّة، فإنها تسفر عن رحلة سابقة من التفكير والجهد والسعي والقرارات بما توافر من إمكانيّتنا وإدراكنا المحدود في ذلك الوقت الماضي. فليس من حق هذه المرحلة علينا أن تُنسَف وأن ندهس عليها متسارعين بعدم اعتبارها مرحلة راهنة بل رصيفاً للعبور! الرضا بما وصلنا إليه اليوم في مرحلتنا الراهنة شعور ثمين، لا يعني الرغبة في التوقف أو عدم السعي لما هو آت، بل يعني الامتزاج بين تقدير ذواتنا وما عاصرناه فيها لكي نتواجد اليوم فيما نحن فيه، و