نور الله
في
ظِلال معيّة الله نور، وفي مفارقته ضلال، الله، لفظ الجمال والجلال، منبع الحب،
أصل السكينة، وبلوغ المُحال. الروح من روحه، والجسد طوع اصطفائه. مرعبةٌ تلك
الفكرة التي تحتمل تخلية الله بينك وبين نفسك، أن تنفصل عن المَدَد، أن تسبح وحدك
في اللا حد، لا ترُوى رغم بحورك الغزيرة، ولا تجد مخرجًا رغم الأبواب المشرّعة،
ولا تلتمس أُنسًا رغم الجموع. فكرة اللا اصطفاء، فكرة التخلّي، وأن تكون أنتَ،
ونفسكَ المحتالة، ودنياك المختالة.. كل الحكاية. تقف الدنيا على قلبونا، بكل
ثقلها، بكل مباهجها ومواجعها، بكل ركامها مما نحب أو ما لا نحب، تقف على قلوبنا،
على جفوننا، على أطراف أصابعنا، نسير بها، أو نُسيّر لها، كما لو أنّها نحن، كما
لو كانت بدايتنا والنهاية، ونَنسى فنُنسى.
ننسى
عالم النور، ذرّات البشر، ولحظة الميثاق، ننسى أننا كنّا هناك، قبل المجيئ إلى
عالم ملغّم بالنسيان، أو التناسي، عالم يؤول إلى التلاشي، لكننا لم نزل نصدّقه
بفكرة الخلود. فنحن نجيد الإيمان بما نراهُ، وترهقنا فكرة الغيب، ننغمس في
الموجود، ونميل إلى المُشاهد، ونركنُ الروح في الطابق السفليّ من الذكرى، تحت
أكوام من الموجودات، وهي تستجدي المحسوس لا الملموس، تقسمُ بعظمة اليقين، وتطمئنُّ
للوعود وللعهود، وتراهن على أن ليس ثمّة ما هو أثمن من اتصال الروح بالله. هل من
شيء أعظم من اتصال تلك الروح بالله؟ نخجل من تلك العبارة، لكننا ننقضها مرارًا،
بعدد اللحظات التي نتساءل بها، ثم نتخطّاها دون إجابة صريحة، بكل السذاجة والبلاهة
الدنيويّة. وفي قرارة تلك اللامبالاة التي نتخذها، صوت اليقين، بأننا نصارع
الحقيقة، الحقيقة التي نحجبها بأعذار واهية، كما لو أننا نحاول حجب قرص الشمس
الأكبر بورقة شجر، كي نستظل عن نور، ينيرنا!
نور
الله يحمي، وما سواه يُعمي، فبفضله تتجلّى لنا الأمور، ليس كما تُرى، بل كما لا
تُرى، مخبّأةً في العالم الموازي من اليقظة. يقظة لا تُنال إلا بديمومة الوصال،
المنبعثة من ديمومة الله. التي تطيب بها جراحات الأيّام، وتزدانُ بها المكاره،
ويُستغنى بها عن شحّ الحياة وجَدَب روائها. لو أننا أقرب قليلًا، لنرى محاسنَ
العيش في حُسن أسمائه، لو أننا أجدر بأن نكون لهُ. فقد حٌقّ علينا أن نكون، لكننا
ننئ عن أن فكرة الوجود موصولة بالمُوجِد. فلا سلامة دون السّلام، ولا هداية دون
الهادي، ولا نور، دون النور، إلى سائر ما يُفتح لنا من فتوحات المعاني التي
تذكّرنا بهِ وبنا. هو الله، له المُلك، ولنا ما نوينا وارتضينا من ملكوته.
تعليقات
إرسال تعليق