تلويحة قلب ~


السادس عشر من يونيو، كبرت بشرى الصغيرة، وحان لها أن تغادر العَقد الثالث، ولربما كانت هذه الخطوة أكبر من أن تُختزَل في تدوينة فضفضة كهذه، ولقد أعددت لها تدوينة خاصّة أظنني سأجعلها بعنوان "العِقد الثالث"، والكسرة هنا صحيحة وليست مغلوطة^^ لكنها لن تنشر ريثما أتفرّغ لها، وأملؤها بما تستحق إن شاء الله. نعم، فالتلويح لمرحلة العشرين العزيزة ليس سهلًا، كما أن الإقبال على الثلاثين واحتضانها ليس سهلًا كذلك، لابد من وجود التقبّل لهذه الرحلة، وحمل الأمتعة اللازمة مما مضى، وإفلات الأثقال المنهكة، والتي تفقدنا توازن التحليق نحو رحلة العمر. أما هنا، وفي هذه السطور، فسأنثر الشعور، كما يتجلّى في نفس اللحظة التي أنقر فيها على مفاتيح الأحرف، لتولَد الكلمات الخالدات، والمعاني الصادقات، عنّي.

أدرك في هذا التوقيت، بأنني أكبر ويكبر قلبي معي، يتسع أكثر ليحوي معانيَ أكبر، عن الحب والقوة، والصبر، والحزن، والتقبّل، والثقة، والصدق، والخوف، واليقين، وأكثر. يتسع بقدر تمدّد أيّامي وعلاقاتي، ومساراتي ومشاعري تجاهها. أشعر بذلك الاتساع وأتلمّسه في مواضع مختلفة عايشتها خلال سنتي الأخيرة، وكيف لقلبي أن يمنح تلك المعاني أبوابًا وأمكنة، لكن ليس بالضرورة أن يمنحها كلّها إقامة واستدامة. ولحظتُ بأنه عندما لا يبدأ قلبي في الاتساع لاحتواء ما أعايشه، وبدأت الأمكنة تضيق والأبواب تتصافق، ألجأ لمصدر السّعة، وملهِم الفتوحات، ومسخر الأرض والسماوات، ربي.

تيقنت بأن التعلّق بالله في كلّ شاردة وواردة في حياتي يمكّن هذا القلب من أن يعود لمضغطته الأصل، ويتشكّل، ويتجدد بتجدد الأيّام والأزمان، ويعالج انفطاراته بفطرته التي فطره الله عليها. وحينها، يبصر ما لم يكن يبصره، ويضع الأمور في أمكنتها، بل ويلاحظ وجود أماكن زائدة وشاغره، يتأهب لأن يحب مجدّدًا، يستقبل التحديات مجدّدًا، يتصور الخوف ومواجهته مجدّدًا، ويؤمن مجدّدًا. تيقنت بأن قلبي يصدأ ويُصفّى ويجف ويمطر ويزهر، وبأنّه لن يستقر في أي موسم من هذه المواسم، فالقلب دائم التقلّب، ومطالب بالتقبّل، في كل فترة أو سنة عمريّة.

وبعد هذه السنة، أظن بأنني اليوم أقرب لبشرى، أفهمها وأحبها، وأرعى مكنوناتها، أعينها على الحياة بدل أن أطلب من الحياة أن تفعل ذلك، وألقي باللوم على تلك الحياة إن لم تفعل ذلك، وعلى فرصها التي نراها فائتة، وأحداثها المتسارعة، وزحامها ومنحدراتها الفجائيّة. وليس من الأنانيّة أو الحرَج في شيء تلك الرعاية الذاتيّة والإدراك الصادق للنفس ومدخلاتها ومخرجاتها. فمنّي سلامٌ عليّ، وعلى أياّمي وسنيني، سلامٌ على ما فات، و على ما سيأتيني. كل عام وبشرى بخير.. ونعم الله عليها بخير.. وأحبابها الغالين بخير.. وقلبها بخير.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

المرأة من منظور "زمّليني"

حياة الركض لا تشبهني