17 مارس | عشر سنوات تدوينيّة

 


اليوم يصادف الذكرى العاشرة لمدونتي العزيزة، في الحقيقة كنت أظنها الذكرى التاسعة لكنني اكتشفت الخطأ الذي ارتكبته في عام 2016 حين كررت الذكرى الرابعة مرتين، مما اضطرني بالأمس لتعديل تلك الذكرى المكرّرة وما تلتها من تدوينات ميلاد مدوّنتي لتواريخها الصحيحة. من المخجل أنني اقترفت ذلك في حق منزلي الزهري، لكنني ربما لم أكن في حالة من التركيز والإقبال على التدوين في تلك السنة، وقد أحتسب ذلك عذرًا لي لا مبرّرًا. فأنا شخص يقدّر ممتلكاته، والتواريخ التي تهمّه، ومواعيد الذكرى والميلاد الخاصّة به. وبتعديل الرقم من التسع سنوات إلى العشر، وجدتني أقف أمام رقم كبير، رقم صعب، أو لنقل رقم خلق منّي إنسانة شعرَت لوهلة أنها ذات خبرة تشفع لها أن تنطق بهذا العدد في محفل ما، أو توثيقه في شهادة مؤطّرة ببرواز ذهبي.

عشر سنوات من التدوين، يا الله، كيف مرّت، وكيف كانت رائعة، فعلًا، التدوين رائع يا أصدقاء. رائع لدرجة أنه يجعل منك رحّال، يقطع جزره الخاصّة، ويوثق صورها، ويتخطى منعطفاتها، ويبحر في شطآنها، ويتغنى مع طيورها، يواجه مخاوفها، ويكتشف تحدّياتها، وينال كنوزها. رحلته الخاصّة تلك تجعله يمارس العزلة مع مجتمعه الذي يحب، فتستحيل كرنفالاً من إلهام، وجمعًا غفيرًا من الأفكار والأسرار والأصدقاء الخاصّين جدًّا من الحكايات والأفلام والقصص والكتب والتجارب. أجل، إنها التجارب. أحب جدًّا مشاركة التجارب الإنسانيّة والأدبيّة هنا، وفي كل مكان أتواجد فيه من منصّاتي الشخصيّة. حسنًا، بالنسبة للذكرى العاشرة تحديدًا، أحبب تدويناتي التي وثقت فيها تجاربي تلك في هذه السنة، التجارب الإنسانيّة والأدبيّة، والتي طرحتها هذه المرّة بشكل أكثر عمق ونضج بحكم خوض تحدّيات أكبر بالنسبة لعمري. أحببت تدويناتي في هذه السنة حب كبير وبشكل خاص، وأعود لقراءتها وتأملها لشدة عمق أفكارها وإلهامها بالنسبة لي. ربما لأنني أكتب لي بالدرجة الأولى، ثم لقارء واحد أو لقارئة واحدة على الأقل قد يصيبه شيء من إلهام تلك التجارب، فيخرج من زيارة منزلي بشيء من النشوة أو النور، وهذا يكفيني.

خلال هذه السنة مارست التدوين بغزارة، ليس في عدد التدوينات، لكن بمحتوى التدوينة ذاتها، بغض النظر عن تفاوت طولها، فلا يهم، لكنني مارست الكتابة بحشو أكبر قدر ممكن من الأفكار والمعاني والمبادئ الشخصيّة والمجتمعيّة، وأحيانًا بحشوها بالمصادر المنوّعة والتي جعلت من التدوينات ذات طابع وثائقي أكثر من كونه شخصي، فملت كثيرًا لإرفاق الكتب المتعلّقة بالموضوع المطروح أو الأفلام أو المقاطع المرئية والاقتباسات، ولم تقتصر على إيضاح فكرتي بسرد كلماتي. هذا الطابع يهب الكتابة شيء من المتعة والترابط، ويفتح لأفكاري سبل أخرى من الإلهام، فأتلقى الفكرة بشكل مقروء ومسموع ومرئي، مما يؤكد لي فحواها، وينكّه محتواها. كما أنني مارست التدوين على نطاق أوسع من خلال الانضمام لمنصّة تقوم بدعم المدوّنين وإعادة نشر تدويناتهم، وهي منصّة "مرجع التدوين العربي"، الذين أتاحوا لي فرصة توسيع مجتمعي المتواضع واستقبال المزيد من الزوّار القرّاء.

أما عن إنجازاتي الأدبيّة التي أشاركها في كل ذكرى، فقد تلخّصت في محاولة أولى لتقديم محتوى ثقافي بإلقاء صوتي، وكذلك إجراء لقاء شخصي شاركت فيه تجربتي عن التدوين، وقد كتبت عن هذه التجربة في تدوينة خاصة: "تجربة أولى واحتفاء ذاتي". أما التجربة الثانية فقد كانت في المجال القصصي. فمنذ فترة قررت ممارسة كتابة القصص لصقل هذه الموهبة الطفوليّة، وافتتحت على إثر ذلك القرار تصنيف جديد في المدوّنة باسم "أقصوصة"، والذي ربما تعجب البعض من أنني أهملت الكتابة فيه طيلة هذه السنة وأكثر. لكن في الحقيقة أنني كنت أمارس كتابة القصص بين فينة وأخرى خلف الشاشة، وأحتفظ بها، وألهمتني جدًا تلك التجربة، كونني كنت أكتب القصص بفضل التأمّل، بمختلف مشاهده ومصادره، فكانت تجربة جميلة لصقل الخيال والسرد الوصفي والمعنى الشعوري في تجارب لم أعشها شخصيًّا. الجدير بالذكر هو أنني خلال هذه الفترة خرجت بقصص معدودة إضافة إلى القصّتين اللاتي تم نشرها في أقصوصة لتتشكل لديّ مجموعة متواضعة راودتني فكرة نشرها كمؤلّف أوّل لي، أو كتابي الأوّل بالرغم من تواضعها، لا أدرى، لكن علّها ترى النور.

في نهاية هذه الثرثرة الاحتفالية، وبعد حمد الله، أقول لمنزلي الجميل، وكعادتي، شكرًا، شكرًا بحجم سعتك، وبهجة زواياك، ودف أحضانك، شكرًا للساحات التي أرتع فيها، وللأقصوصات التي أرويها، وللدفّتين التي تحفظ ما قرأت من كتبي، وللمرفأ الذي أنفض فيه ثوب إيمانيّاتي البالي، ولشبّاكي الذي أستند عليه وأغرّد بكل ما أوتيت من تنهيد، شكرًا، وكل عام أنتَ زهريّ، وأنا أزهر فيك.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

المرأة من منظور "زمّليني"

ثمن التجربة