17 مارس. تسع سنوات | تدوين وأكثر.




حين شارفت الساعة على الإثني عشر صباحاً، قررت الاحتفاء بالذكرى التاسعة لمنزلي، دون انتظار الصباح، وقبل النوم، خوفاً من أن يغفو الشعور السعيد، ويصحو بوجه رتيب. اليوم تكمل مدونتي العزيزة تسع سنوات، وأكمل معها تسع رحلات في عالم التدوين، فكل سنة بمثابة رحلة، أرافق فيها نمطاً جديدًا من الحرف والشعور، والأصدقاء والملهمين. خلال هذه السنة اخترت لمنزلي حلّة جديدة تلائم بساطتي وتواضع المكان، بالرغم من أنني فكرت في إنشاء منصة جديدة كليًّا خارج موقع بلوقر، والشروع في تصميم مدونة جديدة تحاكي جماليات التصاميم الحديثة، لكنني أحسست بشعور غريب، وكأنني أشرع في نزع نفسي من موطني. فكيف لي أن أترك هذا المنزل بما فيه من ذكريات تأتأة حروفي الأولى، وخطوات كتاباتي البدائية، وطفولة المعاني والصفحات، وشغف أولى الكلمات، بحجة الانتقال لمكان أجمل! حينها أيقنت بأن الجمال يكمن في الألفة، والانسجام، والوفاء لهذه المدوّنة التي أسأل الله أن يحفظها في هذا الفضاء المزدحم من الضياع، فعند إنشائي لها قبل تسع سنوات قمت باستخدام بريد إلكتروني، والذي تعرض فيما بعد للإغلاق بفعل إجراءات الخصوصية المتسلّطة، والتي أدت به إلى الحجب التام، وبطبيعة بلوقر، فإن شروط الموقع تمنعني من تغيير ملكية المدونة من بريدي التالف إلى بريدي الجديد، فالمدونة تخضع تحت تهديد أي إجراء يتطلب الدخول لبريدي القديم. لكن، ومن هذا المنبر أدعو الله أن يحفظها، وتبقى المأوى والسلوى. على كل حال، عدلت عن فكرة الانتقال إلى موقع آخر، واكتفيت بتغيير بعض رتوش الجداريات والخطوط التي أحببتها جداً، والتي ستمنحني شعوراً أجمل عند الدخول إلى هنا والشروع في التدوين، فالتدوين هو الجوهر مع الاعتبار بمقام المظهر.

أرى بأن التدوين في الفترة الماضية يعود وبقوة في مختلف المجالات ومع مختلف الأفراد، مقابل إقبال العرب على القراءة والاطلاع، مما يجعل التدوين يحظى بمكانة أكبر خاصة عند تضمين تلك التدوينات في نوافذ مواقع التواصل الشخصية التي تشرّع الأبواب على مصراعيها وتختصر سبل العبور لهذا العالم المليء بالكلمات والتجارب والحكايات التي تَكتب بصدق في سطور مطوّلة، عنّي، أحببت نمط الكتابة الطويلة، والحديث بملئ شفتيّ عن ما يجول في الخاطر، وعدم الركون إلى أٌقصر الجمل وأوهنها بحجة عدم الإطالة، أحببت أنني أسرد كل ما بوسعي سرده عن فيلم أدهشني أو معناً إنساني ألهمني، أو رواية عميقة صنعت منّي إنسانة أفضل، أعترف بأن التدوين الملاذ الآمن للثرثرة الحرّة، والمستقر لكل المعاني المتطايرة في أي وقت ومن أي مصدر، فلم أعد أتخيل ما كنت لأصنع بكل الإلهام الذي ينتابني أو الحزن الذي يخالجني لولا اللجوء للتدوين، ماذا لوم تكن لدي مدوّنة، ماذا لو لم أمتلك منزلاً آوي إليه حين أريد الحديث بكل ما أوتيت من صدق؟! شكراً لله، فالكتابة نعمة كبرى تستحق البذل.

استوقفتني أختي ذات مرة قائلة: كم أغبط الذي يتقنون الكتابة واقتناص الشعور والتعبير عنه، كم أغبطهم حين يتمكنون من صياغة المعنى ليصل كما يجب، فهو يمتلكون شيئًا يغنيهم عن الشرح الذي قد يؤول لسوء الفهم، أو الكبت الداخلي بحجة عدم القدرة على التعبير الصحيح! حين سمعت منها هذه الكلمات، شعرت بأن التدوين ليس ثرثرة فحسب، بل قد يكون مساهمة إنسانيّة حين يجسّد معناً يخالج صدر إنسان قد عجز عن التعبير أو التبرير، حين يلقي التدوين بالنور على إشارات حياتيّة ومعانٍ إنسانيّة من شأنها أن تلهم القارئ أو تساعده على فهم ذاته وفهم الآخرين والحياة من حوله، وكم أتمنّى أن أكون قد وُفّقت في خلق شعور سامٍ فيمن يقرؤني في بعض جوانب كتاباتي بعيدًا عن ثرثرتي الشخصيّة. وأختتم حديثي بوعدي الصادق لهذا المنزل بمزيد من الوفاء والتدوين بصدق في كل وقت، كوعده لي باستقبالي في أي وقت، ووعدي لكم أحبتي بمزيد من العطاء والدعاء، ولا تنسوني أنتم من صلواتكم الجميلة حين تزورونني في كل مرة، وفي كل عام. أحبكم.


تعليقات

  1. كل عام ومدونتك في تألق وازدهار✨
    أدام الله منزلكِ عارًا بالحب والبهجة💕
    ممتنة لكتاباتك وأتمنى أن تستمر🌸

    ردحذف
    الردود
    1. وأنت بخير وعافية، سعدت بدعواتك جداً 3>
      أنا من يمتن لك شكراً =)

      حذف
  2. شكراً لأنك من الحسابات القليلة التي أتابعها على "بلوقر" و فيها من الجمال الكثير!
    شكراً لكلماتك التي تصل القلوب ،دمتِ بخير :")

    ردحذف
    الردود
    1. شرف لي أن أكون من القلّة التي تليق بذائقتك الجميلة =)
      شكراً نسرين 3> 3>

      حذف
  3. كل تدوينة وأنتي بخير ،
    شعرت بفيض حبك للكتابة من خلال ماقرأت ، و مظهر التدوينة الجديد مريح جدا للعين .. منزل مبارك للتدوين .. استمري

    ردحذف
    الردود
    1. وانت بخير عزيزتي الجوهره،
      شكراً لكلماتك وشعورك اللطيف جداً 3>

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

المرأة من منظور "زمّليني"

حياة الركض لا تشبهني