ستان وأوليفر | العمل بروح واحدة






شاهدت الفترة الماضية فيلم STAN AND OLLIE والذي يحكي سيرة الثنائي الكوميدي لوريل وهاردي الشهيرين بأعمالهما الكوميدية في أوائل وحتى منتصف القرن العشرين. الجدير بالذكر أن الفيلم لم يركز على السيرة التاريخية وكيف تسنى لهذا الثنائي أن يحقق نجاحاً باهراً حول العالم من الصفر، بل قفزت حكاية الفيلم ستة عشر عاماً، حين شاب الرفيقين وعادا للعمل مع بعضهما بعد المشاحنات التي واجهاها في الماضي والتي تكدست كمشاعر دفينة حتى بعد مرور كل تلك السنوات لتحول بينهما وبين صفاء امتزاجهما لأداء أعمالهما بسلاسة وعفوية كانت تعد الميزة الأكبر لنجاحهما على خشبة المسرح.

ما أثارني في هذا الفيلم عمق تصوير العاطفة والتجانس بين الصديقين أو أي شريكي عمل آخرَين، وكيف لها أن تحتل الجزء الأكبر من معايير النجاح والإنجاز في محور الشغف المشترك. حين نتحدث عن العمل الجماعي الناجح فإننا نتحدث عن الروح الواحدة، أي أنه حين تمتلك عملاً تحبه ويحبه شريكك، فهذا يعني أن تتجانسا في إنجازه بطريقة تجعلكما كالروح الواحدة، وكيف أن لكل منكما لمسته الخاصة التي تكمل لمسة الآخر، كالفكرة والكلمة والنص وروح الأداء، خاصة إن استمر ذلك العمل المشترك لسنوات طوال، بل لحياة كاملة.

 ربما لا يدرك شركاء العمل الناجحين لفترة طويلة مدى أهمية ذلك التجانس إلا بعد أن ينفصلا (كما شهدنا مؤخراً ما حدث من انفصال ومشاحنات ثنائيات كوميدية شهيرة أبى الجمهور أن يتقبلها)، لكنها قد تحدث لتبين فقط مدى أهمية ذلك التجانس كونه جزء من العمل نفسه حتى بعد انفصال هؤلاء الشركاء في أعمال أخرى. فحين اضطر ستان للعمل بدون أوليفر مع شخص آخر لتأدية عرض مسرحي على المنصة الخشبية، لم يعتقد بأن الأمر سيغدو بهذه الصعوبة، فلم يكن يتلقى من ذلك الشخص الجديد تلك الغمزة والنظرة العابرة التي تفهمه، وتلك الحركات اللطيفة الخاطفة التي يمتزج مع أوليفر في تأديتها فينفرط الجمهور ضاحكاً، لم يكن يدرك بأن العرض المسرحي ليس مجرد أداء يتم التدرب عليه وتنفيذه بقدر ما هو امتزاج موهبتين وروحين في أدق تفاصيل الأداء، لدرجة أنهما كانا متمكنَين من تأليف نص مسرحي والتدرب عليه بسلاسة على مقاعد القطار أثناء السفر أو في غرفة الفندق قبل بدء العرض بقليل.

أرى أن تجانس الشركاء في الشغف ومسيرة العطاء كنز ثمين يحيل العمل إلى متعة، والمتعة إلى شغف مستمر، والشغف إلى نجاحات لا تنتهي، بل تأخذ تلك النجاحات في التقدم مع تقدم الأيام والعمر لكلا الشريكين، حتى يشيخا جميعاً مخلدين بذلك شعار العمل بروح واحدة.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

المرأة من منظور "زمّليني"

ثمن التجربة