محصّلة الألم والنضج





ننشأ في بادئ حياتنا في دائرة فارغة وخالية من التجارب، حتى نخوض الحياة بخطواتنا الأولى عبر مرحلة أولى في دائرة متواضعة من التجارب والمحاولات والتعرف على أناس جدد، حينها نبدأ بالتشكّل، وتقييم الحياة من خلال تلك المرحلة الراهنة، بل وتقييم الناس والأصدقاء اعتماداً على دائرة محصورة فقط على نمط الأشخاص الذين احتككنا بهم في مرحلتنا تلك. والتي قد تكون المرحلة الأسهل والأسعد بالنسبة لنا، فنعوّل عليها كل ما هو آت. حتى نجدنا نقف على مشارف نهاية تلك المرحلة والولوج في دائرة أخرى ومرحلة أخرى تحتم علينا سلوكها لاستكمال دروب الحياة العلمية أو العملية أو الاجتماعية، فنمتزج بمشاعر أخرى قد تناقض سابقتها في المرحلة الماضية وتختل معها نظريّاتنا التي قد ظنناها ثابتة عن أنماط الناس وخيرها وشرها وعن الحياة والسعادة والبؤس، ونظل هكذا دواليك، حتى المرحلة التي تليها.

إننا نقبع في دوّامة تدعى دوّامة الألم والنضج، فنظل نترنّح بين تلك الموجتين، وما إن نستقر في السعادة، حتى يهزنا الألم مجدّداً، ثم يضمّدنا النضج، لتخلق السعادة مجدّداً. نظريّة الدوران تلك، هي أبسط تفسير لما يجري لنا في هذه الدنيا، نحن نذكر جيّداً كم كانت مشاعرنا طريّة وناعمة في مراحل نضجنا الأولى، حين كنا نتشكّل بامتزاج البراءة والقوة والاندفاعية نحو الحياة وتكوين الصداقات والمجتمعات التي تحتضننا، والوعود التي كنا نتقاسمها لكي تسع قلوبنا جميعاً، نتذكر جيّداً كم كانت تلك المرحلة الأولى عميقة وثابتة في نفوسنا كمبدأ حياتيّ قد خُلقنا لأجله، قد خلقنا لنكون بخير، ولنعاشر الأناس الذين يشبهوننا فقط كأصدقاؤنا القدامى. تلك السعادة الغامرة في تلك المرحلة كانت محض نضجٍ في المهد، لم تشرّع له السبل بعد لكي ينمو ويتعثر ويخالط العالم وأصناف الناس وأجناس الألم. حتى شبّ وترعرع وبلغ مرحلتنا الراهنة، والتي يجد الإنسان نفسه فيها الآن، وكلٌّ بحسب حسبته، وعمر نضجه. ومن المؤسف أن نعتقد بأن مرحلتنا الراهنة ذات نضجٍ مكتمل ووعيّ كامل، يضمن لنا القبوع في دائرة الأمان.. والحماية من ذبذبات الدنيا.. وتقلب صحة النفوس والأبدان، فالنضج لا يكتمل، بل ينمو مع كل مرحلة ومع كل انقال يعتري حياتنا وإن كان يسيراً ومتواضعاً في نظرنا.

وما يجدر بنا إدراكه، هو ألا نتوقع الأسوأ في قادم الأيام، بل أن نسمح لأنفسنا بتوقّع وجود ما لم نتوقّعه، وبأن ثمة أمور لم نواجهها بعد، والتي من شأنها أن تغيّر فينا أو تزيدنا يقينا. والكيّس من اتخذ من مراحل الماضي زاداً للقادم، فبقدر مخالطتك لمختلف أصناف الأشخاص، سوف تتمكن من تحقيق السلامة في نفسك تجاههم، وبقدر تحمّلك للألم وتخطيك له، سوف يسهل عليك تجنّبه أو مواجهته وهزيمته، وبقدر وعيك بنفسك، سوف تستغرق وقتاً أقل في اكتشافها وتحقيق سلامها، لتكون المحصّلة أنه بقدر عمر نضجك.. سوف تعيش عمراً أسعد وأطول وأقل ألماً.



تعليقات

  1. محصلة الألم و النضج
    حكي مبسط وعمييق لما نواجهه واقعاً، ونقف مشدوهين صعب على بعض منا استيعاب مايحدث أو حتى تفسيره

    أحب قلمك <3 3>

    ردحذف
  2. Arwa

    كم أبهجني مرورك هنا، فأنار المكان =)
    وأنا أحبك 3> 3>

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

المرأة من منظور "زمّليني"

حياة الركض لا تشبهني