رحلتي مع الماجستير







لم أكن أفكر في دراسة الماجستير أو أطمح لها، بالكاد كنت أتمنى إنهاء مرحلة البكالوريوس المتعبة جداً والتي دامت خمس سنوات. لكن فرصة دراسة الماجستير أتت في وقت كنت بحاجة فيه إلى أمر يجدد قدرتي على العطاء والإيمان الداخلي بوجود تلك القدرة بعد خمولها. أحببت أن أنوّه هنا في هذا الوقت بالتحديد أنه سيدور في ذهنك وفي ذهن أي شخص سوف يقبل على دراسة الماجستير أو ربما كل تجربة جديدة شيء من الخوف والتردد. عني شخصياً، لم أكن متيقنة من رغبتي الحقيقية في خوض تجربة الماجستير خاصةً أن البرنامج الذي تم قبولي فيه هو امتداد لتخصصي، فارتبط في ذهني حينها صعاب تجربتي السابقة بالتجربة القادمة، وكيف لي أن أواجه مجدّدًا ما كنت أهرب منه ذات يوم!

البداية و قبول التحدي:

كنت خائفة ومترددة، لدرجة أنني وضعت الانسحاب من القبول كأحد الخيارات المتاحة لهذه التجربة الجديدة. وبعد البدء المتردد، وجدت أن البداية لطيفة والدروس مقبولة نوعاً ما، والتقيت بزميلات لطيفات دار بيننا حوار عن مشاعرنا تجاه هذه التجربة، فقلت لهن بأنني سوف أخوض هذه التجربة مبدئياً لأجرب فقط وقد أنسحب. فأجابتني زميلتي بجملة قصيره قائلة: عني، فإني أرى أن هذه التجربة تحدٍّ بالنسبة لي وقد قبلت التحدي. عدت إلى المنزل وجملتها ترن في أذني، حتى أدركت بأن قدرات الشخص الداخلية حين يكون متيقناً منها تفوق قدراته حين يكون متردداً. فعزمت حينها وبجدية أن أقبل التحدي الذي سوف يكلفني الكثير.

التغيير لمواجهة الصعاب:

في الحقيقة قبولك للتحدي لا يعني المفتاح السحري للنجاح في ذلك التحدي، بل أنت بحاجة إلى معونة الله العظيمة ثم إلى تحمل الكثير من التضحيات. وسوف تبدو الأمور شديدة الصعوبة في البداية، كالواجبات والتكاليف وضغط الوقت الذي يختلف عن مرحلة البكالوريوس تماماً. فعلى سبيل المثال، كنا نُكَلّف بقراءة الأوراق البحثية وكنا نواجه صعوبة في ذلك لأننا كنا نقرأ تفاصيل البحث كاملة بحذافيرها و يصعب علينا استيعابها فنرى أن قراءة ورقة بحثية خلال أسبوع أمراً منهكاً. لكنني أدركت لاحقاً و مع كثرة القراءة البحثية أن الاطلاع السريع بتركيز و اصطياد المعلومات الهامة هو تلخيص عميق للورقة البحثية دون عناء قراءة كل سطورها. فأصبحت قراءة عدة أوراق بحثية في جلسة واحدة أمر اعتدت عليه! بل امتد الأمر إلى إعطائنا ورقة بحثية لم نقرأها مسبقاً و التي يجب علينا قراءتها أثناء الاختبار لحل قسم كامل من الأسئلة! لم يكن التحدي مقتصراً على الأوراق البحثية بل على التعامل مع المعلومات بشكل مختلف، سواء الورقة البحثية أو المحاضرات أو الكتب أو المفاهيم الجديدة. ففي مرحلة البكالوريوس كنت أعتمد و بشدة على مصادري الدراسية كالكتب و الملازم بينما في مرحلة الماجستير تعلمت أنه عليك أن تصادق المعلومة وتحبها و تمارسها لكي تدركها، وذلك عن طريق الاطلاع على مصادر أخرى للمعلومة غير كتبك الدراسية الثقيلة على نفسك، كالفيديوهات أو مواقع الانترنت التي سوف تبسط لك المعلومة و تحببك فيها. يمكنني اختصار شرح مواجهة تلك الصعوبات في أنك قد تضطر إلى تغيير طريقتك المعتادة في دراستك للمعلومة، بل عليك أن تؤمن بأن لديك طرق أكثر لاكتسابها، حتى وإن كانت طرق جديدة لم تعتد عليها، صدقني سوف تجد بأن لديك قدرات كامنة ستكتشفها مع كل إنجاز ماجستيري. فالماجستير يقلب الموازين، و يجعل منك شخص كثير الصبر و عميق اليقين بأنك تستطيع، وبأنك أذكى مما تتصور بشرط أن تكون قد قبلت التحدي منذ البداية كما ذكرتُ آنفا.

لست وحدك:

ومن الأمور الهامة التي يجب ذكرها في هذا المقام هو أنك خلال رحلة الماجستير قد تحتاج إلى المساعدة، ولن تتمكن من إنجاز بعض المهام أو ممارسة بعض المشاريع لوحدك. عليك أن تعي بأن هذا لا يعتبر قصور، بل يعتبر أنك قد حاولت كثيراً حتى توصلت إلى هذه النقطة، و التي تجعلك بحاجة لشخص يساعدك على الإنجاز لا أكثر و ليس مَن يتكفل به عنك! في البداية كنت متعصّبة لفكرة إنجازي الفردي، و التي أرى أنها سوف تحفظ لي أحقية افتخاري و نجاحي بما سوف أنجزه، فكنت أقضي وقتاً طويلاً و طويلاً جداً في سبيل تعلم تلك التقنيات الصعبة التي كلفتني الوقت و الجهد. لم يكن مفهوماً صحيحاً، فبعد تعاوني مع خبير في هذا المجال غد الأمر أسهل، فقد كنا نفكر في حل سوياً مستعينين بتجربتي و محاولاتي السابقة بالإضافة إلى خبرته السابقة. فأدركت بأنني خلال محاولاتي الماضية قد تعلمت الكثير و أنني كفؤ لهذا الإنجاز. و أدركت أيضاً أنني تعلمت رصيداً إضافي من خبرة شخص آخر فتعاونك مع شخص آخر في إنجاز مهمة صعبة سيكون أكثر إثراء و معرفة و شغف مقارنة بإنجازها وحدك!

امتنان:

بعد إنهائي لبرنامج الماجستير بنجاح كنت ولم أزل ممتنة لله جداً، فقد فاقت فرحتي و فرحة من حولي بالمناقشة الأخيرة فرحة البكالورويس بل قد لا تقارن بها. ممتنة حقاً لذلك الخوف الذي راودني في البداية، فلولا ذلك الشعور بالفراغ و الخوف لما أدركت قيمة الشعور باليقين و الإنجاز. ممتنة لساعات النوم القليلة و لشاشة الحاسب التي سئمت مني و سئمتها مراراً. ممتنة للقتال من أجل المعلومة و البكاء حين العثور عليها في كومة صفحات بعد بحث قد يدوم لساعات. ممتنة للنصائح التي اكتسبتها، و التي أود مشاركتكم بها: الخوف من التجارب أمر طبيعي جداً. احرص على محبتك لما تدرس و رغبتك الحقيقية في إنجاز الماجستير. حافظ على قطرات ترطيب العين و النهوض عن الجهاز و الحركة كل نصف ساعة لأن العمل لساعات طويلة أمام الشاشة سوف يعرض عينيك للجفاف و جسدك للإجهاد. حاول أن تسترخي قدر المستطاع قبل المناقشات أو عرض المشاريع، أو الاختبارات و فكر بأنك سوف تبذل كل ما بوسعك لأنك قد "فهمت المعلومة" و هذا يكفي! أخيراً، أنا ممتنة لكم لقراءة هذه الرحلة حتى النهاية، تمنياتي لكم برحلات مثرية و تجارب عظيمة تستحقونها =)



تعليقات

  1. مبارك لكِ هذا الإنجاز،
    أتمنى لك مزيدا من التقدم، والفوز بالتحديات!
    نفع الله بعلمك

    ردحذف
  2. سعدت جدًا جدًا برؤيتي لاسمك هنا، كم هو جميل أننا نذكر بعضنا حتى الان.. شكرًا لك على كلماتك عزيزتي :)

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المرأة من منظور "زمّليني"

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

مواليد التسعينات | بين القناعات والتحديات