قواعد العشق الأربعون




اليوم أنهيت قراءة رواية قواعد العشق الأربعون لإلف شافاق، الروائية التركية التي قد أعجبت بمنهج الصوفية في شتى صورها سواءًا الصوفية لدى المسلمين أو لدى اليهود أو غيرهم. قامت إلف بسرد حكاية رجل مسلم صوفي يدعى شمس التبريزي في القرن الثالث عشر و كيف لذلك الرجل الجوّال قدرة على مصادفة شتى البشر في شتى بقاع الأرض محتفظاً بهدوئه و سمته، متنقلاً لينثر قواعده الأربعون بين الخلق، تاركاً في نفوس كل من يقابله الدهشة و كأنها أثر خلف مواضع تجواله المستمر، حتى استقر أخيراً في قلب رفيقه جلال الدين الرومي على أرض قونيه ليبدأ مغامرة مختلفة تدور حولها جلّ الرواية.و في المقابل جسّدت إلف حكاية شمس التبريزي وجلال الدين الرومي داخل الراوية كقصة تقرؤها امرأة تدعى (إيلا) في القرن الواحد و العشرون و كيف لها أن تطبق تلك القواعد الأربعين في حياتها الشخصية. وقد قررت الكتابة عن هذه الرواية من عدة جوانب، بدءًا برأيي بالأسلوب اللغوي و تسلسل السرد و الأحداث منتهيةً بتوضيح لب الرواية و سبب منعها من بعض الجهات الموزعة.

الرواية مذهلة من جانب الأسلوب الأدبي، فلكم أمسكت القلم لأخط خطاً أسفل عبارات أدبية فذة، و قد ملأت غلاف الرواية أرقاماً بالصفحات التي تحوي نصوصاً فريدة و متوهجة لأتمكن من العودة إليها. وقد أضفى أسلوب خالد الجبيلي (مترجم الرواية) اللغوي قيمة جوهرية للرواية في نظري لم تكن لتتحقق لولا ذلك الأسلوب. هنا أضع بعض قواعد شمس الأربعون و بعض الاقتباسات و أترك أكثرها لكم حين تنوون قراءة الرواية:

"لا يعني الصبر أن تتحمل المصاعب سلبا، بل يعني أن تكون بعيد النظر بحيث تثق بالنتيجة النهائية التي ستتمخض عن اي عمليه. ماذا يعني الصبر؟ أن تنظر الي الشوكة وترى الوردة ، ان تنظر إلى الليل وترى الفجر.أما نفاد الصبر فيعني أن تكون قصير النظر و لا تتمكن من رؤية النتيجة."
"لا يوجد فرق كبير بين الشرق والغرب والجنوب والشمال . فمهما كانت وجهتك يجب أن تجعل الرحله التى تقوم بها رحله فى داخلك فاذا سافرت فى داخلك فسيكون بوسعك اجتياز العالم الشاسع وما وراءه"
"لكي تبرز التجارب الجديدة، تذوي التجارب القديمة"

"مضى زمن طويل لم أتحدث فيه إلى أي أحد، حتى كدت أنسى كيف كانت رنّة صوتي"
ما أعجبني كذلك، مرونة السرد و ترابط الحدث بين عدة شخصيات، وتجسيد حدث واحد بوصف متكرر على لسان كل شخصية ليطلعك على مختلف المشاعر لمختلف الشخصيات، فكان ذلك مبهراً حقاً. فبالنسبة لي كان هذا الأسلوب شيّقاً للعيش مع الحدث على لسان شمس و من ثم جلال الدين و غيرهم انتقالاً إلى القرن الواحد و العشرين لسرد الشعور على لسان إيلا. كانت رواية ماتعة و شيّقة برغم أنها تعج بالتفاصيل الدقيقة، لكنها لم تكن متمددة إلى حد السآمة و الملل. و لكن حين نقف على لب الرواية و فكرتها، يمكن أن يحدث اختلاف في نظري لتقييم روعتها. الرواية تقوم على مبدأ و مذهب يقدّس العشق و الحب الإلهي مما جعلها تضم النصوص الخادشة للذات الإلهية بشكل مقزز. فالصوفيون من وجهة نظر الكاتبة هم الفئة التابعة لدين الحب، و الذي يجعلهم في دوران مستمر حول ذواتهم لإيجاد ذلك الحب في داخلهم و إثبات تلك النظرية للعالم. وبالرغم من سحر الرواية و وقعها في نفسي إلا أنني لم أجد ذلك الإعجاب الذي يمكنني من الذهول بشخص شمس التبريزي كما اندهش منه الكثيرون. تظل الرواية مرجع أدبي ثريّ و مصدر ثقافي لمن يفضل الاطلاع على جانب مختلف من الحياة و المذاهب لولا احتوائها على النصوص الحمراء التي عرضتها للمنع و النقد الكبيرين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المرأة من منظور "زمّليني"

أن تعيش حقيقتك – خطوات عميقة في معرفة النفس

مواليد التسعينات | بين القناعات والتحديات